24 يونيو، 2013

إيران ومهزلة تداول السلطة / محمد ولد الشيخ

لقد استطاع القادة الشيعة في الامبراطورية الإيرانية إظهار دولتهم الإمامية في صورة وردية، ووضع سياسي مريح؛ عبر فلسفة تناقضية تنم عن خبرة فائقة في أساليب التمويه والتلبيس وإتقان فن التقية والخداع بموجبها راعى الخميني في تصميم الدستور الإيراني النظام الديمقراطي شكلا، والنظرية الفرعونية المؤلهة للحاكم جوهرا ومضمونا.


فضمن الدستور بعض المواد التي تكرس تداول السلطة الممثلة في منصب رئيس الجمهورية لكن بشكل يضمن استمرار القبضة الحديدية للفقيه الأكبر، فقد ابتكر مجلسًا سماه "مجلس صيانة الدستور"، هو المكلَّف باختيار من يمكن أن يُرشَّح للرئاسة، وهذا المجلس مكوَّن من اثني عشر عضوًا، يعيِّن مرشد الثورة ستة منهم بشكل مباشر! أما الستة الآخرون فيرشحهم رئيس السلطة القضائية بعد ترشيح مجلس النواب، مع العلم أن رئيس السلطة القضائية نفسه يُعيَّن من قِبل مرشد الثورة، وهذا يعني أن أعضاء مجلس صيانة الدستور بكاملهم من الذين يختارهم مرشد الثورة أو يرضى عنهم، وهذا المجلس يقوم بقبول ترشيحات المتقدمين لشغل منصب رئيس الجمهورية.

كما قاموا بافتعال تلك التعددية الزائفة إصلاحيين ومحافظين؛ وهما في الحقيقة وجهان لشخص واحد هو الولي الفقيه حتى يوهموا سذج المتابعين والمراقبين أن في دولتهم ديمقراطية راقية ونظاما تناوبيا تنتقل فيه السلطة بشكل سلس. ولما اكتشف مديرو الشأن الإيراني أن جل سياساتهم لا تروق لمعظم ساكنة المحيط الإقليمي أفرطوا في استخدام لعبة الأطفال المرتكزة على: "لست أنا من فعل كذا! ذلك فلان".

وتتم ممارسة اللعبة هذه عن طريق توجيه من هم في المعارضة أخطر التهم ولاذع الانتقادات للجهة الحاكمة إيغالا في غياهب الإيهام والتعمية كي يتم تحقيق أهدافهم بأقل الخسائر السياسية والأخلاقية. لكن سرعان ما تتبادل الأدوار بين الخصمين الوهميين في عملية تضليلية راح ضحيتها كثيرون، والواقع أن كلتي الطريقين توصل إلى هدف واحد هو تعميق الهوة بين مكونات الأمة وإضرام لظى الفتنة في شتى أصقاع الرقعة الإسلامية.

هذا وإن المطلع على حقائق ما يجري ثمة يعلم أن كلًّا من الفريقين ليس له من الأمر شيء؛ إذ أن الحاكم الفعلي هو مرشد الثورة، فلا يمثل الشخص المفترض أنه الرئيس سوى "روبوتا" آليا ومنفذا أوتوماتيكيا للأوامرالصادرة عن مكتب الولي الفقيه، وفي أحسن الأحوال يكون ناطقا باسمه أو جنديا مأمورا من طرفه.

وتبدو لك أخي القاري مدى سيطرة القائد المعمم، وكيف يلتف على خيار الشعب حين تعلم ما يخوله الدستور من صلاحيات مطلقة لا يحلم بها أي من جنرالات الأقطار العربية؛ ولنقرأ نص المادة: 110 من الدستور الإيراني باعتبارها مثالا على هيمنة مرشد الثورة الولي الفقيه، أو الفقيه الأكبر ونائب الإمام المعصوم، فهي أسماء وألقاب لصاحب السلطة المطلقة والمسيطر على كل صغير وكبير في السياسة الطهرانية:

ـ فمرشد الثورة هو الذي يضع كافة المسائل الرئيسية الخاصة برسم وتعيين السياسات العامة للنظام، وهو الذي يقود القوات المسلحة، وهو الذي يملك أن ينصِّب ويعزل رؤساء المؤسسات والمجالس الرئيسية في الدولة، وهو الذي يعيِّن رئيس السلطة القضائية، ورئيس الإذاعة والتليفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة، وعزل رئيس الجمهورية.

وليست هذه المادة المتعلقة بعزل الرئيس مجرد أداة ردع أو وسيلة زجر. 

فلننظر ما هو الإجراء المحتمل لو نسي سيادة الرئيس المنتخب أخيرا فاتخذ قرارًا يخالف رأي مرشد الثورة، فماذا يحدث عندئذ؟! لا داعي للتكهنات، فقد رأينا واقعًا يوضح لنا الصورة؛ فعلى سبيل المثال تم انتخاب بني صدر ليكون أول رئيس لجمهورية إيران أيام الخميني سنة 1980م، وظن "بني صدر" أنه أصبح رئيسًا ككل رؤساء العالم يمسك بمقاليد الأمور في دولته، خاصة أنه قد أتى إلى كرسيِّ الحكم بنسبة 75% من أصوات الشعب، وهي نسبة كبيرة كما نعلم، إلا أنه وجد نفسه لا حول له ولا قوة، ولا يملك أن يكلف رئيس وزراء لحكومته، بل لا يستطيع المشاركة في اختيار الوزراء لاستحواذ الشخصية الأولى والأخيرة هناك، والمصيبة بعد كل ذلك أن هذا القائد المرشد لا يحكم بالقرآن والسُّنَّة، إنما يرسِّخ انحرافًا عقديا خطيرًا، ويحكم بتفويض من الإمام الغائب الذي دخل السرداب، ويحرِّك الدولة بكاملها وفق الهوى الشخصي الذي لا يجوز الاعتراض عليه!.

وحسب اطلاعي القاصر لم أجد للرئيس الإيراني فسحة أو هامشا يكون له حق التصرف داخله سوى أقمشة القصور الرئاسية، فقد اعتاد رؤساء الجمهورية إصدار قرارات عاجلة بشأنها؛ منهم من يستبدلها بأخرى كمحمد خاتمي ومنهم من يقدمها هدية لجهة ما كأحمدي نجاد، وما زلنا في انتظار القرار الشجاع الذي سيتخذه الرئيس الجديد روحاني بخصوص تلك الأفرشة ليبرهن من خلالها على قوة سلطانه القاصر عليها تقريبا.


وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ننبهر بهذه الأوضاع المأساوية؟! ولماذا نرى بعض الكُتَّاب - وأحيانًا من الإسلاميين - يعتبرون إيران نموذجًا يجب أن يُحتذى؟!

ـ إن كثيرا من ذوي النيات الحسنة ينبهر بتلك المسرحية الدرامية لعدة أسباب منها غياب كل هذه الحقائق في الدستور الإيراني، وفي نظام الحكم هناك، وفي علاقة المرشد برئيس الجمهورية، فيحكم بعاطفته لا بعقله، ويميل مع أي إنسان رفع راية الإسلام، ولو كان محرِّفًا مبدلاً.

ـ ومنها أن معظمنا لا يعرف الإسلام الحقيقي الذي يسمح للمسلمين أن يعترضوا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل إنه كان يسمح بمناقشة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الأمور التي ليس فيها وحي.

فهل من مدكر...!

نقلا عن موقع الأخبار

هناك تعليقان (2):

  1. الخميني02 يوليو, 2013

    أنت حد شاف أشفيكك لمصد يعرف عنك لعين

    ردحذف
  2. تنبيه لكل متابعين الكرام الذين يرغبون في التعليق في صفحتنا نرحب بكم جميعا وبتعليقاتكم لكن نود لفت انتباهكم إلى ضرورة الإلتزام بقواعد النشر التي نلتزم بها ومنها ضرورة الإبتعاد عن الشتم والسب لأي كان واحترام المقدسات والقيم والأخلاق العامة والالتزام بالمصداقية في النقل كما نلفت انباهكم إلى أننا سنضر إلى حذف تعليق كل من ل ايلتزم بهذه القواعد الأساسية وشكرا.

    ردحذف