09 يوليو، 2013

نَفْثةُ مَصْدُور / إسلمو ولد سيدي أحمد

إسلمو ولد سيدي أحمد/كاتب وخبير لغوي وباحث 
إلى كل العقلاء، إلى الحكماء، إلى المفكرين، إلى المثقفين، إلى الإعلاميين، إلى جميع الشرفاء في العالم، إلى شعبنا العربيّ الأبيّ، من المحيط إلى الخليج.

إلى كل هؤلاء، وإلى غيرهم من فئات، لا يتسع المقام لذكرها، أوجه نداءً حارا و عاجلا، من أجل العمل على وقف هذه الأعمال الخطيرة، المتمثلة في تدمير الوطن، وُ صولًا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح و عُمران. 

إن التخريب المُمنهَجَ الذي تعرضت له البلدانُ العربية -الواحد تلو الآخر-في السنوات الأخيرة – بصفة خاصة – لا يمكن اعتبارُه مُصادفةً محضة. إننا أمام مؤامرة كبيرة تحركها أيَادٍ خفيةٌ و أخرى لا تُخطِئها العينُ.

و إنه لَمِمَّا يحزُّ في النفس أن تُنفَّذ أجزاء كبيرة من هذه المؤامرة"الخبيثة" بأيادي العرب و المسلمين أنفسِهم، حيث أصبحوا يتقاتلون ويستوردون الأسلحةليقتل بعضُهم بعضًا.

وإذا كانت جيوشُنا العربية قد عجزت عن تحرير الأراضي العربية المحتلة وفشلت في صدّ الجيوش الأجنبية الغازية، لأسباب قد تكون مفهومة، من بينها احتكار الأجنبيّ للأسلحة المتطورة وما ترتّب على ذلك من خلل في موازين القُوّى، فإنّ من واجب هذه الجيوش، بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمن، أن تحمي أمن المواطن وتترك السياسة للمدنيين لا ختيارمن يمثلهم، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وحتى يتمكنوا من التناوب على الحكم بكيفية سلمية.

وللتاريخ، وإنصافًا لجيوشنا العربية الباسلة ولقواتنا الأمنية النزيهة، وبناءً على تجاربَ سابقةٍ نعرفها جميعًا، فإنّ العيب ليس كله في الجنديّ العربيّ الشجاع، ولا في الشرطيّ الوطنيّ الذي كان يرفع شعار: "الشرطة في خدمة الشعب"، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نحملهم المسؤولية ، دون أن نحمل الجزء الأكبر من المسؤولية للحكام العرب ومن يدور في فلكهم من أبناء الأمة ، لأنهم فرطوا في النهوض بالأمة وتقاعسوا عن الأخذ بأسباب العلم والبحث العلميّ و التطور. وجعلوا من المؤسسات العسكرية أداة ترغيب وترهيب من أجل الوصول إلى السلطة لتحقيق مآرب آنية وشخصية ، يحميها تحالف المال والسلطة والجيش، دون أيّ مراعاة للمصلحة العامة. والنتيجة التي لا تسرّ أحدا هي أننا نكاد-لا قدر الله-نفقد الوطن، بعد أن فقدنا المال والسلطة والجيش، وأصبحنا نعيش فوضى عارمة، ونتصارع في الشوارع والميادين ويقاتل بعضُنا بعضًا.

لقد فقدنا المال بسبب سوء التسيير، وفقدنا السلطة بسبب الانقلابات العسكرية المتعاقبة، وفقدنا الجيش بسبب انشغاله بالشؤون السياسية، عن الدفاع عن حوزة الوطن.

يجب أن لا يُعتبر هذا النقد نوعا من جَلْدِ الذات، فالهدف منه هو التنبيه على الخلل الذي ينخر الجسم العربيّ، من أجل تدارك الوضع قبل فوات الأوان. فالزمن يجري بسرعة والتاريخ لا يرحم.

إننا نأمل، في عهد العولمة والانفتاح، وحوار الحضارات، وتلاقح الثقافات، أن نحرر أرضنا بالطرق السلمية المتحضرة، وأن نحل مشاكلنا الداخلية والخارجية بالطرق السلمية. ولا يعني ذلك التخاذل والكسل والركون إلى ما نحن فيه من ضعف وتأخر عن الركب. إن حل المشاكل، عن طريق التفاوض، يجب أن يكون مدعومًا بالقوة ، في هذا العالم الذي لا مكان فيه لغير الأقوياء. ولعل أهم قوة في الوقت الراهن، هي قوة العلم والاقتصاد والتعاون والتنسيق بين أجزاء الوطن، والحرص على تماسك جبهاتنا الداخلية.



لقد نأيت دائما بنفسي عن الخوض في السياسة الحزبية الضيقة، مكتفيا بالتعاطي مع "سياسة" أرحب و أوسع، تهتم بالفكر و الثقافة والإصلاح و البناء و الحث على المحافظة على ثوابت الأمة، و التي من أهمها القيم والأخلاق والتمسك بالهوية العربية الإسلامية الأصيلة. لكنني، و قد رأيت ما رأيت – في الآونة الأخيرة – من سفك للدماء، و تخريب للعُمران، و انتهاك للأعراض و الحُرمات، و كل ذلك باسم "السياسة"، فإنني أسجل – من خلال هذا النداء – شجبي و تنديدي و استنكاري لهذه "السياسة"التي أوصلتنا إلى ما نشاهده، على مدار الساعة، من أعمال منكرة وتصرفات لا ينبغي أن تصدر عن عاقل، فأعمال العقلاء منزهة عن العبث.

و ما دمتُ عاجزًا عن تغيير هذا المنكر بيدي، فلعلي أشارك في تغييره بالقلم، المعبِّر عن اللسان، بالقلب الذي يتمزَّق حَسْرَةً على هذه الدماء الزكية التي تنزف، و لو كان ذلك أضعف الإيمان.

إنها نفثة مصدور، عربيّ مسلم، ضاق ذرْعًا بما يجري في مصر و سورية و في غيرهما من وطننا العربيّ الغالي.

أسأل الله العلي القدير أن يكشف عنا هذه الغمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق