تتعالى منذ فترة نداءات مدن وقرى طلبا
لجرعة ماء، وسعيا لرد الاعتبار لمدنهم المنسية التي دأب الساسة على تجاهل مشاكلها
وعدم الاهتمام بقضاياها، مدن لا يزورها زائر ممن يتشدقون بالدفاع عن قضايا المواطن
إلا حين تقترب الانتخابات، فترى الموالي والمعارض في سباق إليها لاستمالة سكانها
بمواعيد عرقوبية، وَحِيل ماكرة، مستغلين براءتهم بكل وقاحة!
ليبقى المواطن البائس بين سندان مطالبه الملحة ومطرقة وعود كسراب بقيعة يحسبها لظمئه ماءً حتى إذا جاء وقتها المحدد لم يجدها
شيئا...
مدن يُعامَل سكانها تماما كما يُعامِل المحتل الغاصب مغتصباته التي
لا يريد إلا استنزاف خيراتها وتجهيل أبنائها، في حين يتمالأ ممثلوها مع الحاكم ضدها
ولسان حالهم يقول: "اللهم لا تخرج من
أصلاب سكان هذه المدن من يفضح مخططاتنا ولا من يحذر من خطر مؤامراتنا..."
لكن رياح القدر جرت بما لا تشتهي سفن
المتلاعبين بالمصالح العامة لرعيتهم ليحققوا مصالحهم الضيقة وأهدافهم الصغيرة،
فتولد -رغم كل محاولات الإجهاض- جيل ثائر
على العطش، منتفض ضد الظلام، رافض للتهميش... يسعى إلى تحقيق مطالبه المشروعة
والدفاع عن قضاياه العادلة بالضغط من خلال
حراك سلمي يعتمد بالأساس على نصرة الأهالي في هذه المدن.
وسَيُوصِل رسالتهم إلى الجهات المعنية
بعيدا عن المتاجرة السياسية بها والتقليل من أهميتها، لأنه يعيش مع الأهالي آلامهم وآمالهم، ويرى المأساة بأعينهم لا بأعين من يصورون الواقع المأساوي ورديا ابتغاءً لمجاملة السلطان خوفا من غضبه
وطمعا في ما عنده!
جيل انتظم في مبادرات لفك العزلة ودفع
الظلم عن مجتمعاتهم حين تخلى ممثلوهم عنهم
بعدما دخلوا البرلمان بأصواتهم، ممثلون طابت أنفسهم بسكن القصور وترك
الرعية في أكواخ متهالكة تدخل شمس الصيف الحارقة من تشققات أسقفها، ويتلذذون بشرب
المياه المعدنية في حين يبخلون على غيرهم بالسعي الجاد في طلب مياه جوفية، باعوا
المصلحة العامة بمصالح ذاتية خاصة، تناسوا يوم الاقتراع حيث كان يؤتى بالشيخ الهرم
يهادى بين الرجلين كي يصوت لهم، وبالأرملة الضعيفة لتقلب الموازين لصالحهم، وكل أمل هؤلاء أن توفر لهم أبسط مقومات الحياة.
الآن وبعد أن توفي الشيخ وهو ينتظر وعودهم
الزائفة، وفقدت الأرملة صبرها منتظرة لتطمينات كاذبة، وانتهت صلاحيتهم منذ فترة...
بعد كل هذا وذاك لم يُشَرفوا أنفسهم بتقديم استقالتهم إعلانا عن عجزهم، بل ظلوا حريصين على أن لا يصل الصوت ولا يسمع
النداء...
هو إذن "وجه من تنكرده" ذاك الذي
سيواجه به الساسة -الموالي والمعارض على حد سواء- المواطنين في هذه المدن بعد أن سَخروا سنواتهم الماضية في صراعاتهم الجانبية بعيدا عن هموم
المواطنين ومشاكلهم.
ليعودوا إلى الشعب معلنين التوبة عن جرمهم
السابق والاستغفار من خطاياهم الماضية، لكن توبتهم واستغفارهم يحتاجان لتوبة واستغفار بل وإلى عزم أكيد وتخل
صادق عن برنامجهم "جوقة الساسة" الذي يطبقونه منذ عقود.
وصلنا المقال من البريد:
vadelmedaly49@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق