16 مايو، 2013

محمد فال ولد بلال: البلد يتخبّط في أزمة مركّبة..(مقابلة الجزء الأول)


في إطار المقابلات التي تجريها مدونة مقطع لحجار الإخبارية مع شخصيات سياسية وثقافية من أبناء المقاطعة عبر بريدها الألكتروني ننشر اليوم على جزئين أولى هذه المقابلات مع شخصية سياسية ودبلوماسية وأدبية كبيرة مع الوزير والسفير السابق محمد فال ول بلال الذي قبل مشكورا دعوتنا فحاورناه حول رأيه في الأوضاع السياسية الراهنة في البلد عامة وفي المقاطعة خاصة وتقييمه لأداء المعارضة والموالاة وموقعه السياسي الحالي ومقالاته الأخيرة التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة كما حاولنا وبعيدا عن السياسة استجلاء بعض جوانب شخصيته الأدبية والتي لا يعرف عنها الكثيرون.

والآن نترككم مع الجزء الأول من المقابلة على أن ننشر الجرء الثاني منها لاحقا إن شاء الله.     
 
المدونة:  أهلا وسهلا بكم معالي الوزير وشكرا لكم على قبولكم إجراء هذا اللقاء سؤالنا الأول: ما تقييمكم لحكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز في ما مضى من فترته الرئاسية؟ 
محمد فال ولد بلال: مأمورية ولد عبد العزيز أوشكت على النّهاية...لم يبق منها سوى سنة و نيف ...و السنة الأخيرة لا تكون في العادة  سنة عمل و إنجاز، بل هي - على الأرجح -  سنة  إعداد و تمهيد  للحملة  الرئاسية  القادمة،  وما يرافق ذلك من إرهاصات و مناورات انتخابيّة  ، فقط لا غير...و بهذا المعنى ، يمكن – من الآن -  تقييم الحكم  بشكل إجمالي من خلال ما آلت إليه الأوضاع مع نهاية مأموريته ... دون تفريط أو إفراط ، و بدون تهوين أو تهويل...

 البلد يتخبّط في أزمة  مركّبة ،  غير نمطيّة ، و متعدّدة الأبعاد...
أزمة مؤسّساتية : تتمثّل في خرق صارخ لمبدإ دستوري أساسي يقضي باحترام دورية الانتخابات ...وما نتج عن ذلك من وجود مؤسسات بلديّة و برلمانيّة منتهيّة الصّلاحيّة منذ قرابة عامين...مؤسّسات شاخصة بشكلها، غائبة بمضمونها ، فاقدة لمعناها و مغزاها... مدّدت لنفسها بنفسها بعد أن انتهت مأموريتها الدستورية  دون أن تحرّك ساكنا...هذا بالإضافة إلى ما قام به الحكم  من تمييع للإدارة، و تضخيم  للجيش، وانخراط محموم في مؤسسات وهيئات شعبويّة  ذات طابع استيعابي محض...
أزمة سيّاسيّة : تتمثّل في الانسداد  و انعدام الرّؤية...و القطيعة التّامة بين طرفي المشهد السياسي الرئيسيين، أعني المعارضة و الموالاة…غياب الحد الأدنى من التراضي و التشاور بينهما أدّى إلى حالة الجمود و الركود التي تعيشها البلاد...حالة خواء و فقر في الخطاب و نقص في الأداء و الابتكار... موالاة  تبرّر و تمجّد ، و معارضة  تنتقد و تندّد...و بين الطرفين، يبقى البلد  في حالة شلل...فلا السلطة استطاعت إقصاء المعارضة أو تحييدها، ولا المعارضة استطاعت ترحيل السلطة أو سحب البساط من تحت أقدامها...و الشعب هو من يدفع ثمن هذا التوازن الصّفري.
أزمة مجتمعيّة : تتمثّل في التشرذم  و الانقسام  داخل المجتمع، حيث بدأت الولاءات الدّونية  أو الضيقة تطفو على السّطح - بل و تطغى- على نحو غير مسبوق، حاملة معها نذر التفكّك و التّشظي و الانشطار إلى فئات و شرائح و أعراق و جهات و أجيال: بيظان، احراطين، أكور، صنّاع، شمال، شرق، شباب، شيوخ، إلخ...و بدأت أصوات ترتفع هنا وهناك  تزامنا مع الفضائيّات و الانترنت  ومنابر دوليّة و مناخ سياسي عالمي موات  لأطروحاتها  المتناغمة مع أدبيّات العولمة...  دون أن تبدي الحكومة أي انزعاج، أو إحراج...
 أزمة أخلاقيّة : تتمثّل في انهيّار منظومة القيّم التّقليديّة التي كانت مصدر قوتنا و قوامنا، وسرّ وجودنا و بقائنا ... بها وعليها استقرّ نظامنا المجتمعي لمدّة قرون...زالت النّخوة ، و اختفت المروءة ، وضاعت الآداب، وفسدت الأسرة، و قلّ الصّدق، و انتشرت الجريمة بشتى أنواعها...وتحكّم الكسب السّريع ، والجري وراء ملذّات الحس و "الموْضة"، و سيْطرت المصالح الآنيّة، وثقافة التّربّح...و ما "تّسجيلات أكرا" عنّا ببعيد...
أزمة معيشيّة : تتمثّل في كلفة الحياة ، وارتفاع الأسعار، و شحّ الوسائل و الموارد لدى الأسر الضعيفة و المتوسّطة ...رغم الدور الإيجابي الذي تضطلع به دكاكين "أمل"...إلاّ أنّها لا توفّر إلاّ جزءا يسيرا من المواد الضروريّة، فهناك مواد أساسيّ عديدة كاللّحوم مثلا، والدواء لا توجد في دكاكين "أمل"، وكذا النقل، والملابس، والأعمال المدرّة للدّخل؟...لذا، تصاعدت الاحتجاجات، وانتشرت الحركات المطلبيّة  في العديد من المناطق و المرافق ...
تلكم هي السّمات البارزة للوضع الرّاهن في البلاد ... دولة مأزومة إلى حدّ كبير، غيْر أنّها - ولله الحمد - لم تصل بعد إلى حدّ الفشل...فالحكومة تزاول نشاطها، وتؤدّي أدوارها بشكل يتفاوت من متوسّط [كالبنى التحتية مثلا، وتأمين الحدود، والطّاقة، والطرقات...] إلى سيّئ [مثل الصحة، والتعليم، والإدارة، والمرافق الخدميّة العامّة] إلى سيئ جدا [في مجال الحكامة السياسية، وسيادة القانون، والنّهوض بالقيّم و الأخلاق و الوحدة الوطنية]...
و باختصار، أعتقد بأن حكم ولد عبد العزيز هو في مجمله أقرب إلى الإخفاق من هو إلى النّجاح.

المدونة:  كيف ترون تعاطي رئيس الجمهورية مع الطيف السياسي، موالاة ومعارضة؟

محمد فال ولد بلال: أعتقد أنّ ولد عبد العزيز مزاجي في تعامله مع الطيّف السياسي بمكوّناته كافّة...

المدونة : هل ترون أن بإمكان الحزب الحاكم استيعاب المجموعات القبلية
التقليدية، واستقطاب الجمهور الشبابي في زمن الربيع العربي؟

محمد فال ولد بلال:  أودّ بداية أن أعبّر عن تقديري و احترامي لرئيس حزب الاتحاد  لما أعرف فيه من أدب و حسن سيرة وأخلاق...أما عن سؤالكم، فأقول بوضوح إنّ حزب الاتحاد ليس بالحزب الحاكم، وليس بحزب "الحاكم"...لقد حاول إظهار نفسه على أنّه "حزب الرّئيس"، و "حزب الدّولة" لاستقطاب النّاس، لكنه فشل في ذلك...و حاول إعادة صياغة الحزب الجمهوري بثوب "جديد"...لكنّه فشل و أنتج ما يُشبه "الهياكل" بوجهها القديم...زد على ذلك أنّه - كحزب - لم يخض أيّ انتخابات منذ تأسيسه حتى الآن...فهو يستند في "حكمه للبلاد" إلى نواب و شيوخ، وُجِدوا في الأصل مستقلّين في عهد الرّئيس اعل، ثمّ تحوّلوا بقدرة قادر إلى "عادل" مع الرئيس سيدي، ثم تحوّلوا إلى كتائب المجلس الأعلى للدولة في عهد عزيز الأوّل، ثمّ المرحوم امباري، قبل أن يُبايعوا عزيز الثاني...ولا أعتقد أنّ حزبا كهذا جدير بأن يفوز بشباب المقطع...

المدونة:  ما تقييمكم لحراك المعارضة المطالب بإسقاط النظام؟

محمد فال ولد بلال:  المعارضة لم تطالب بإسقاط النّظام، و إنّما طالبت برحيله ...والفرق كبير بين هذين المفهومين. الرّحيل لا يعني بالضرورة السقوط  بالقوّة أو العنف...قد يكون بالاستقالة لأسباب أدبيّة  أو أخلاقيّة  وجيهة...و قد يكون بصناديق الاقتراع ...و قد يكون بضغط الشارع...و قد يأتي فجأة  و بسرعة أحيانا...و قد يتأخّر أحيانا أخرى، إلخ...و من باب الإنصاف، يجب التنبيه إلى أنّ مهمة المعارضة في كلّ زمان و مكان – هي "ترحيل" النظام...؟  ومن هذا المنطلق، يكون شعار الرّحيل شعارًا مفهومًا على الصّعيد المبدئي...الإشكاليّة  - إذاً - ليست في شعار "الرحيل"، وإنّما في القيادة – قيادة المعارضة – التي لم توفّق حتى الآن في إدارة الصّراع  ورسْم الخطط العمليّة و الميدانيّة المناسبة لشعارها...فالهُوّة عميقة بين الطموحات "الرّبيعيّة" من جهة، و الأساليب النضالية "الشتائيّة" من جهة أخرى...لم تتمكّن المعارضة من تفعيل نقاط قوّتها واستغلال نقاط ضعف خصمها بالقدر الكافي...وارتكبت أخطاء كثيرة، أذكر منها- على سبيل المثال - قرارها بفكّ اعتصام 2012 في ساحة "بن عباس" في خطوة ضربتْ في الصميم مشاعر الآلاف من الشباب الثّائر، ثمّ تنازلها  الفعلي عن حقّها في الاعتصام الذي يكْفُله الدستور، والتزامها حُدودَ ما يقبل به الحاكم من وسائل للتعبير و"الصّراع"... فهي كمن يريد السّحاب بِلا بلل...زد على ذلك كونها عجزت عن تطوير خطابها "الجاف" و"الرّاكد"و"المتحجِّر"،و لم تعّبأ بالحالة المعيشيّة للمواطن ولم تعتني بتأطير وتوجيه الحركات المطلبيّة والاحتجاجيّة الواسعة في البلاد...
و الأخطر من ذلك كلّه أنّها قرّرت البقاء في البرلمان بعد انتهاء مأموريّته، مانحة إيّاه صبغة مزيّفة من الشرعية، والتّمثيل، والإجماع، والانتظام ... ضف إلى ذلك انقسامها بلا سبب وجيه إلى معارضة محاورة  ومعارضة رافضة... و أخطاء أخرى  ونواقص عديدة في تسيير ملف فضائح النّظام المتلاحقة، بدءاً بالصفقات ومروراً بالرّصاصات وانتهاء  بالتسجيلات...

المدونة : نشر الإعلام الألكتروني سيلا من المقالات ردا على مقالكم "الآن هل عرفتم من هو؟"، هل ترون أن تلك الردود كانت على المستوى، أم أنها حزت في غير مفصل؟

محمد فال ولد بلال : نعم، قرأت تلك المقالات... و بدون تعليق، أقول ما قاله الإمام الشافعي: :
"إذا نطقَ السّفيهُ، فلا تُجبْهُ  +  فخيْر من إجابته السّكوتُ
فإن كلّمْتَهُ، فرّجْتَ     عنهُ  + و إنْ  خلّيْتَهُ  كمَداً  يموتُ
انتظروا في الجزء الثاني من المقابلة حديث الوزير عن انسحاب النائب مولاي ولد ابراهيم من الحزب الحاكم وموقع الوزير الحالي في الساحة السياسية وحديث شيق عن الأدب  وبعض من إسهاماته فيه............... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق