قضيت سمرا ممتعا الليلة البارحة مع كوكبة طيبة من
الشباب في مقهى تونسي وسط العاصمة انواكشوط كان مليئا بالنقاش السياسي الهادف
والمسؤول . بحيث قمت بالرد على الأسئلة الواحد تلو الآخر و استمعت أيضا للرأي الآخر
بكل أريحية فقد سألني أحدهم عن ما إذا كنت أعتبر أن هناك أزمة سياسية فعلا أم لا
؟؟؟ فأجبته أن هناك أزمة سياسية مُصطنعة مرت بمراحل عديدة ففي البداية و تحت صدمة
النتائج الرئاسية و الفوز من الشوط الأول بدأت بعض اطراف المعارضة في محاولة
التصعيد قبل أن يبدا الحديث عن الحوار السياسي الشامل و استعداد الرئيس عزيز
للحوار بدون خطوط حمراء و أن سقف اتفاق دكار ليس مقدسا بل يمكنهم نقاش كل القضايا
بدون شروط مسبقة وبدون أي محظورات , فبدأت المنسقية بالمماطلة بحجة اتخاذ النظام
لخطوات لترطيب الأجواء غير أن تلك الخطوات في حقيقتها هي النقاط نفسها التي ستكون
على جدول اعمال الحوار وبالتالي صارت كأنها وضع للعربة أمام الحصان و الظاهر أيضا
أن المعارضة ندمت على اتفاق داكار بعد أن صدمتها النتيجة وصارت تظن كل حبل حية
تسعى . ثم تقررت الإنتخابات و تمت برمجة مواعيدها قبل أن تطلب المنسقية تأجيلها
للتشاور فتم ذلك . و فجأة يُداهمنا حدث اندلاع الربيع العربي و تمت مراقبته بصمت لتحسم
المنسقية أمرها بقرار التصعيد لركوب تلك الموجة أملا بانتزاع مالم تستطع انتزاعه
بالمراوغات السياسية و صناديق الإقتراع . و تحمس حزب تواصل الذي سالت لعابه من وصول
الإخوان إلى مراتب متقدمة في دول الربيع العربي فاندمج بقوة في شعار (ارحل) و راهن
على حصان خاسر جنبا إلى جنب مع بقية أحزاب المنسقية و هكذا صاروا من جهة يقولون أن
البرلمان غير شرعي ومنتهي الصلاحية و من جهة أخرى يحضرون الجلسات و يتقاضوا
الرواتب . و يتجاهلون الأسباب الوجيهة لتأجيل الإنتخابات بعد أن تقادم عهد البطاقات
الأولى و تأخر انتهاء التسجيل البيومتري الجديد و كأنهم يريدون من الرئيس عزيز أن
يُلغي أحد أهم النقاط في برنامجه الإنتخابي ألا وهو ترقية نظام الحالة المدنية
ليكون بأرقى الأنظمة في عالم اليوم . و اليوم وقع قادة المنسقية عموما و حزب تواصل
خصوصا في تناقض رهيب بعد اندلاع الاحداث الاخيرة في مصر فسخريتهم من حركة تمرد و
تنكرها لنتائج الصندوق التي اعترفت بها نهارا وجهارا هو ذاته تنكرهم هم أنفسهم
لنفس النتائج . و عند ما تُناقش أحدهم يعود إلى المربع الأول بالقول أن الرئيس عزيز هو
عسكري و هذا لعمري نوع عجيب من الإنتقائية في ذاكرة القوم بحيث يستحضرون ماقبل
اعترافهم بالإنتخابات و كأن الديمقراطية تابعة لمزاجهم المتقلب حسب نظرتهم
الميكيافيلية و حالتهم النفسية حسب درجات المعارضة بقاموس جميل منصور الجديد
(معارضة ناصحة أو ناصعة أو ناطحة) . و اليوم تقف المنسقية أمام منعرج حاسم في أجواء
الإنتخابات الوشيكة بحيث ستنقسم لامحالة إلى معسكرين معسكر مُشارك في الإستحقاقات
بأقل الشروط لأنه يريد الحفاظ على تماسكه ووجوده استفادة من تاريخ المقاطعة
الإنتخابات الفاشل سابقا و في ظل غياب نقطة الشرعية التي كانت جوهرية في تنازلات
اتفاق داكار سابقا . و مُعسكر آخر يُقاطع الإنتخابات ظنا منه أن ذلك
يجعلها أحادية الجانب و ربما يظن أن ذلك يضر مصداقيتها أمام الرأي العام و المجتمع
الدولي . و يبدو أن مابعد عطلة عيد الفطر المبارك سيكون موسم المخاض السياسي
العسير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق