24 أكتوبر، 2013

الانتخابات الموريتانية و سياسة "الكرسيّ الفارغ"/ اسلمو ولد سيد أحمد

تساعد الانتخابات ، بواسطة التصويت، على اختيار شخص/أوأشخاص معيَّنِين لتولي مناصب معيَّنة، ممّا يقتضي توفير المُناخ الملائم لعملية الاقتراع، حتى يستطيع المواطن أن يختار – بحرية واستقلالية – من يراه مناسبا لتولي المسؤولية.

و بخصوص المشاركة في الانتخابات، التي اختلفت آراء بعض علماء الأمة في مشروعيتها(في العصر الحديث)، أذَكِّر هنا ببعض ما جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث يقول: "الواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك حسَب الوُسع، فمن وُلِّيَ ولاية يقصد بها طاعة الله و إقامة ما يمكنه من دينه و مصالح المسلمين و أقام فيها ما يمكنه من الواجبات و اجتناب ما يمكنه من المحرمات، لا يُؤاخَذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير من تولية الأشرار...".

و لعل من أهم ما ورد في هذه الفتوى الحثّ على اختيارالإنسان الكفء، المستقيم، العادل، الحريص على مصالح الناس، المؤتمَن عليها.

وتقتضي المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، بصفة عامة، وفي عملية الانتخابات، بصفة خاصة، أن يكتسب المنتخِب والمنتخَب ثقافة سياسية وانتخابية تمكنه من الإلمام بالحقوق والواجبات السياسية والانتخابية. ولا بد من مساهمة أصحاب الرأي كافّةً، في خلق هذه الثقافة وترسيخها: من علماء، وفقهاء، ومفكرين، ومثقفين، وكُتَّاب، وصحفيين...دون إغفال دور مؤسسات المجتمع المدنيّ، والشباب، والمرأة، إلخ.
و بالنسبة إلى الانتخابات و علاقتها بالشرعية، يلاحظ في عالمنا العربيّ، بصفة عامة، أننا أصبحنا أمام ثلاث "شرعيات"، على الأقل، إذا لم تتفتق "عبقرياتنا"-في العالم العربيّ- عن شرعيات جديدة.

• شرعية الانتخابات، المكتسَبَة ممّا تُفضي إليه صناديق الاقتراع، من أجل التناوب السلميّ على السلطة (و هي أفضل الشرعيات، بل إنها وحدها ما يجوز وصفُها بالشرعية، في العالم الديمقراطيّ الحر).
• "شرعية" الانقلابات العسكرية، المستوحاة من "قانون الغاب" القاضي بأن يفترس القويُّ الضعيفَ.

• "شرعية" الشارع، المتمثلة في ضغط الجماهير الشعبية على السلطة الحاكمة، من أجل التنازل عن الحكم ، رافعةً شعار "الرحيل"، أو دفع المؤسسة العسكرية إلى الانقلاب على السلطة الشرعية، و الإجهاز على العملية الديمقراطية برمّتها. وذلك بحجة ضرورة المحافظة على الأمن والاستقرار. وهي كلمة حق أريد بها باطل، لأن باستطاعتها ان تقوم بهذا الواجب دون أن تأخذ السلطة السياسية، بل إنّ الانشغال بالشأن السياسيّ اليوميّ سيضعف قدرتها على القيام بهذه المَهَمّة التي تحتاج إلى نوع من التفرغ. وكلنا ميسَّر لما خلق له. والجيوش خُلِقت للدفاع عن حوزة الأوطان وصدّ أيّ عدوان خارجيّ، والتعاون مع المصالح الأخرى لتحقيق الأمن الداخليّ.

وبالنسبة إلى مايعرف بسياسة"الكرسيّ الفارغ"، فإنني أرى أنّ اللعبة الديمقراطية تقتضي المشاركة في الانتخابات، كلما كان ذلك ممكنا. وذلك لأسباب كثيرة، أذكر منها:
• يُخشى، في حالة مقاطعة الانتخابات، من زيادة التصعيد والتوتر وارتفاع حدّة التجاذبات السياسية بين الخصوم، وما قد يترتب على ذلك من اضطرابات وقلاقل، نحن في غنًى عنها. خاصة إذا علمنا أنّ تنمية البلد تتطلب حدا أدنى من التوافق بين السياسيين، ليركزوا جهودهم على تحقيق التنمية والتقدم، في ظل الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعيّ.

• قد لا تتمكن الأحزاب المقاطِعة للانتخابات من التحكُّم في التزام قواعدها بقرار المقاطعة، وقد بدأت بوادر ذلك تطفو على السطح، من خلال الانسحاب من حزب والانضمام إلى حزب آخر، نتيجة لعدم قناعة المنسحِبين بجدوائية المقاطَعة، ممّا جعلهم يتمردون على قرارات الزعامات الحزبية التي قررت المقاطعة، دون استشارتهم. ولم يعد أمام هؤلاء المنسحِبين من خيار سوى تغيير ولائهم الحزبيّ، ما دامت اللوائح والنصوص المعمول بها لا تسمح بترشحٍ مستقل خارجٍ عن قُبّةٍ حِزبية. ولا يُستبعَد أن يترتب على هذه العملية تغيير جِذريٌّ في الخريطة السياسية. والخاسر الأكبر في ذلك، هو من يقاطع الانتخابات.

و أريد أن أشير، بهذه المناسبة، إلى أن عدم توحيد مواقف أحزاب المعارضة في بلادنا، أضرَّ كثيرا بمصالحها الحيوية، و جعل شريحة عريضة من منتسبيها يتململون ممّا آلت إليه الأمور. كما أشير إلى أن أحزاب المعارضة التي دخلت في حوار مع الموالاة، ينبغي لها التركيز على القضايا التي تخدم المصالح العليا للبلد، أكثر من التداول في الموضوعات المتعلقة بمنافع ضيقة، شخصية أوحزبية لأن الموريتانيين، الموالين و المعارضين، المحاورين و غير المحاورين، يوجدون جميعا في سفينة واحدة، و عندما تغرق هذه السفينة – لا قدر الله – فلن تفرق الأمواج البحرية العاتية بين فئة و أخرى.
و من جهة أخرى، فإنه ليس من مصلحة أي أحد أن يهيمن حزب معين-هيمنة مطلقة- على الحياة السياسية في البلد ، بحيث يعمل على تهميش الأحزاب الأخرى و سد الأبواب أمام منتسبيها، الطامحين إلى المشاركة في الشأن العام، و في تحمل جزء من المسؤوليات التي تقع على عاتق كل مواطن، بصرف النظر عن موقعه خارج الحزب الذي حصل في الانتخابات على أغلبية تمكنه من تسيير شؤون الدولة، سواء أكان ذلك على مستوى الانتخابات الرئاسية أم على مستوى البلديات و النيابيات، وغيرها. ولا شك في أنّ وضعية كهذه، لا يمكن أن تفضي إلى الاستقرار السياسيّ المطلوب، ولا إلى تنمية شاملة يشارك فيها المواطنون كافّةً.ومن هنا فإن على الدولة الموريتانية-رئيسًا وحكومةً وموالةً- أن تعمل على توفير الظروف المناسبة لمشاركة جميع الأحزاب السياسة في الانتخابات الحالية، حتى تكون لها مصداقية داخل الوطن وخارجه، في هذه الظروف الحرجة التي يعيشها وطننا العربيّ وبعض دول المنطقة. ولا يفوتني أن أشير إلى أنّ الرئيس، في أيّ بلد ديمقراطيّ، رئيس للمواطنين كافةً(موالاة ومعارضة)، والحكومة حكومتهم، والبرلمان برلمانهم جميعًا، ممّا يقتضي العدالة التامة في استفادة المواطنين من الوظائف وغيرها، عن طريق ضمان تكافؤ الفرص، للاستفادة من الخيرات والمنافع، في جميع المجالات.

وأختم وجهة نظري هذه، بأن أوجه نداءً حارًّا إلى السياسيين، كل من موقعه، أن يحرصوا على الوصول إلى حدٍّ مقبول من التوافق، يضمن تحقيق الأهداف المرجوة، في ظل الاستقرار والأمن، وأن يستفيدوا من التجارب المخيبة للآمال التي مرت بها بلدان شقيقة وصديقة في الآونة الأخيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق