الشاعر أدي ولد آدبه |
قال الشاعر الموريتاني المبدع أدي ولد آدب: إن
ملايين الجماهير التي كانت تصوت له في كل حلقة من برنامج "أمير الشعراء"
جعلت منه "طائر فينيق" ينبعث من رماد "محرقة" التحكيم في كل مرة، قائلا:
أعتقد ـ وكلي ثقة - بأني أفضل بعد هذه التجربة مني قبلها، على الرغم مما
تعرضت له خلالها من تعسف التحكيم وتحامله، المرجوح ـ طبعاـ بإنصاف الجمهور،
وحسن تفاعله، علما بأن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة، كما يقال، وقد زاد
البرنامج في شهرتي، ووسع جمهوري وطنيا، وعالميا، وكل ذلك يتطلب مني صقل
موهبتي، وشحذ أدواتي، وتعميق تجربتي، وإغناء رصيدي الثقافي".
وقال ولد آدب في مقابلة مع صحيفة "الشبيبة" العمانية إن تجربته الشعرية تتنامى ـ طرديا ـ مع تطوره الأكاديمي والفكري والثقافي، الذي يحرص على إثرائه باستمرار، مؤكدا أن الصرخة الأولى لميلاد شاعريته قد انطلقت منذ 1982، ومن يومها ظل هاجسه الشعري ومقصه النقدي في جدل مستمر، ذاك ينتج، وهذا يأخذ من أطراف نتاجه، حتى أسفر الحصاد عن الديوانين المنشورين بعد خروجه للتو من تجربة "أمير الشعراء".
وأضاف ولد آدب، إن الشاعر إذا اعترف بتوقف نموه الإبداعي عند مستوى محدد، يكون قد حكم على نفسه بالإعدام الأدبي، أو الشلل الشعري على الأقل، ولا يكون ذلك إلا إذا توقف المدد الثقافي عن نسخ تجربته الإبداعية، أو انقطع الحبل السري بين إحساسه المرهف وتفاعلات الحياة الموَّارة.
ولد الشاعر الموريتاني المبدع أدي ولد آدب سنة 1964 في مدينة "مقطع الحجار" شرقي العاصمة نواكشوط، وبعد تخرجه من الثانوية العامة عمل أستاذا للغة العربية وآدابها منذ 1991، ثم كاتبا صحفيا ومحررا في كثير من الصحف الوطنية الموريتانية منذ 1993، وتابع دراسته الجامعية، ثم سجل في السلك الثالث بالمغرب ومنه أخذ دكتورا".
اشتهر الشاعر أدي ولد آدب بكونه أحد كتاب الرأي في صحيفة الوطن القطرية 2002 - 2004.
شارك أدي ولد آدب في أغلب الندوات، والمهرجانات، والبرامج الثقافية في موريتانيا، وفي المملكة المغربية (مكان الدراسة منذ 2002) وليبيا ولبنان والإمارات، وهو أحد مؤسسي (بيت الشعر في موريتانيا) سنة 2001، كما حاز الرقم الأول في جائزة الإبداع الأدبي بجامعة محمد الخامس بالرباط 2006، والرقم الأول في مسابقة المهرجان الدولي للشعر العربي والزجل الدار البيضاء 2007، والرقم نفسه في دورة 2009، حائز على الرقم الخامس في مسابقة أمير الشعراء بأبوظبي موسم 2008؛ وللشاعر دواوين شعرية أبرزها: رحلة بين الحاء والباء، تأبط أوراقا ..
"الشبيبة" أجرت معه الحوار التالي:
* يمتنع أدي ولد آدب وهو شاعر معروف منذ عقود عن نشر ديوانه، فلماذا ؟
لقد نشرت أعمالي الشعرية الأولى منذ سنة 2009، متضمنة "رحلة بين الحاء والباء"، و"تأبط أوراقا"، وهما يمثلان جدل الشاعر والثائر، الذين هما وجهان لعملة واحدة، اسمها: أدي ولد آدب، ولعل خير معبر عن وحدة الصوتين، هو:قصيدة: "هذا أنا"، التي كتبتها أصلا لتكون توطئة شعرية للديوانين، غير أنهما صدرا من دونها.
وبالمناسبة أود أن أؤكد أنني لم أكن أمتنع عن نشرهما، بقدر ما كنت أمتنع عن استجداء النشر من أي جهة، ولذلك بادرت بتلبية أول عرض قدم لي لنشرهما عبر وزارة الثقافة الجزائرية، التي وزعت منهما محليا 1700 نسخة، ووزعت أنا النسخ القليلة التي وصلتني منهما على أصدقائي، ولهذا ـ في الحقيقة ـ كاد نشرهما يكون مساويا لعدم النشر، ونظرا لذلك، وبما أنني قد راكمت بعد 2009 عددا من النصوص الجديدة، فإنني الآن بانتظار فرصة نشر أفضل وأكمل وأوسع.
* هل يختلف أدي الشاعر بعد مسابقة أمير الشعراء عنه قبل المسابقة ؟
الشاعر إذا اعترف بتوقف نموه الإبداعي عند مستوى محدد، يكون قد حكم على نفسه بالإعدام الأدبي، أو الشلل الشعري على الأقل، ولا يكون ذلك إلا إذا توقف المدد الثقافي عن نسخ تجربته الإبداعية، أو انقطع الحبل السري بين إحساسه المرهف وتفاعلات الحياة الموَّارة، وأنا ـ في الحقيقة ـ أعتقد أن تجربتي الشعرية تتنامى ـ طرديا ـ مع تطوري الأكاديمي والفكري والثقافي، الذي أحرص على إثرائه باستمرار، فقد انطلقت الصرخة الأولى لميلاد شاعريتي منذ 1982، ومن يومها ظل هاجسي الشعري ومقصي النقدي في جدل مستمر، ذاك ينتج، وهذا يأخذ من أطراف نتاجه، حتى أسفر الحصاد عن الديوانين المنشورين بعد خروجي للتو من تجربة "أمير الشعراء".
وكلي ثقة بأني أفضل بعد هذه التجربة مني قبلها، على الرغم مما تعرضت له خلالها من تعسف التحكيم وتحامله، المرجوح ـ طبعاـ بإنصاف الجمهور، وحسن تفاعله، علما بأن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة كما يقال، وقد زاد البرنامج في شهرتي، ووسع جمهوري وطنيا، وعالميا، وكل ذلك يتطلب مني صقل موهبتي، وشحذ أدواتي، وتعميق تجربتي، وإغناء رصيدي الثقافي، احتراما للملايين التي كانت تصوت لي في كل حلقة، حتى جعلت مني "طائر فينيق" ينبعث من رماد "محرقة" التحكيم في كل مرة.
*اشتهر أدي ولد آدب بقصيدة تأبينية لسقوط طائرة ركاب، تقل عشرات الموريتانيين عام 1994، فكيف يكتب أدي الشعر في لحظات المصائب ؟
في الحقيقة لم أكن مجهولا قبل هذه القصيدة، فقد ذاعت قبلها في الأوساط الثقافية قصيدة "تأبط أوراقا"، التي تستلهم لقب الصعلوك العربي "تأبط شرا"، المشهور بثوريته على الظلم الجاهلي، ولكن قصيدة الطائرة "تضاريس مأساة" كانت أبعد صيتا، وأوسع شهرة، من دون شك، وربما كان مردّ ذلك إلى أنها غُنّيَت بصوت فنان مشهور ومحبوب، أضاف إلى طاقاتها الشعرية، وشحناتها الشعورية ـ من جمال حنجرته ـ شجنا يناسب المقام، وروح المناسبة، وجو القصيدة.
أما عن كيفية كتابتي للشعر في لحظات المصائب، فأنا ـ بكل صدق ـ أغمس قلمي في ينبوع المأساة، وأرمي بحسي في أتون لواعجها الملتهب، فيتلبس حبري بدمعي، وتتشبع أنفاسي المتنهدة، ببخور وبخار روحي المحترقة، فتنبعث القصيدة الراثية عندي من تآور هذه الشروط الإبداعية، أولا تكون.
*دخل أدي الشعر من باب الرثاء الجماعي، في هذا الزمن الذي يرفض النقاد فيه الأغراض الشعرية القديمة شيئا ما، ومن أبرزها الرثاء، كيف تفسر ذلك ؟
ـ اسمح لي أن لا أوافقك في أنني دخلت الشعر من باب الرثاء الجماعي، فأنا لم أكتب من الرثاء الجماعي سوى قصيدة الطائرة الموريتانية المحترقة بمن فيها، وعلى الرغم من قوتها التأثرية والتأثيرية الطاغية، وسمعتها الطائرة، فإنني دخلت الشعر من أبوابه الواسعة، قبل هذه القصيدة التي لا أريد لها أن تكون مثل قصيدة عمر بن كلثوم، التي ألهت بني تغلب عن كل مكرمة، حسب قول الشاعر القديم.
وفيما يخص علاقة فرضيتك بموقف النقاد اليوم من الأغراض عموما، والرثاء خصوصا، فإنني أعتبر كثيرا من مسلمات النقاد ـ حول مفاهيم: الغرض، والمناسبة، والموضوعي والذاتي ـ مغالطات لا تصمد في معترك النقاش النقدي الحصيف، فالغرض والمناسبة لا يكونان مرفوضين إلا إذا تحولا من اعتبارهما ألوانا لانفعالات النفس الإنسانية، وأوجها للتجربة الشعرية العميقة، إلى مجرد تصنيفات صنمية، تعبد لذاتها.
وهنا يكمن الفرق الدقيق ببن التجربة التي هي إبداع خصوصي منفعل، وبين التجريب الذي هو تقليد مفتعل منبوذ، مهما كان للقديم أو الجديد، وهنا ـ أيضا ـ يتضح أن الفرق الإجرائي بين الذاتي والموضوعي، لا يتحقق إلا في التجريب التقليدي البارد، بينما تتكسر الحدود الوهمية بينهما تماما، داخل التجربة الشعورية والشعرية، حيث يصبح الموضوعي ذاتيا والذاتي موضوعيا. ومن هذا المنطلق أعتبر أن الإبداع في الرثاء والغزل، وحتى المدح والهجاء.. رهين الإخلاص للتجربة شعوريا وشعريا، إحساسا وفنا.
*زِيّ الشاعر أدي ومظهره العام يذكر بأزياء الشخصيات الثقافية والأدبية العربية، في وسط القرن الماضي "الشارب الطويل، وشعر الرأس الطويل"، هل يفعل أدي ذلك عن محاكاة وقصد، ولماذا ؟
اسمح لي أيضا أن لا أوافقك حول تقاسيم الصورة التاريخية النمطية التي رُسمت لي، فهي موجودة ـ ربما ـ في مخيلتك، أكثر مما هي متحققة في زيي وفي مظهري العام، فأنا لا أملك شنبا كثا تقليديا، بصورته المملوكية القديمة، ولا بصورته الإيديولوجية القومية الحديثة، كما أني لا أملك لمة مسترسلة، كما هي موضة اليساريين، وبعض النجوم المتفلسفين، والبوهيميين، ومن أين لي بذلك، وقد "اشتعل الرأس شيبا"، ودب الصلع في أرجائه؟
زد على ذلك أني أحرص في زيي ـ التقليدي والعصري معاـ على التوازن في الألوان، والمقاسات، ولا أقصد في مظهري العام لهاثا وراء التميز الموضوي النزق، ولا التقليد الموضوعي البليد.
* للشاعر أدي قصيدة دائما ما يحكيها "يلقيها" في الصالونات الثقافية واللقاءات يقول فيها إنه "يبحث عن الإنسان في الإنسان"، ما الذي يفتقده أدي في الإنسان اليوم ؟
القصيدة المعنية، هي "نزيف مشاعري"، التي رشحتني عبر إقصائيات "أمير الشعراء"، في مرحلة ما وراء الكواليس، وقد غيبت عن المشاهدين، ربما كيدا، بينما عرض كثير من قصائد التصفيات الأولى نظيراتها، دعاية وترويجا مسبقين لأصحابها، قبل انطلاق الحلقات المباشرة من البرنامج. وأنا فيها أبحث عن الإنسان في الإنسان؛ لأني أفتقد اليوم من الإنسان جوهر إنسانيته، وأفتش عن روحانيته التي غشاها زبد الحسيات، الطاغي طوفانه، الذاهب جُفاءً.
* لـ أدي ولد آدب مقالات مؤخرا في السياسة والقضايا العربية والوطنية، أين يلتقي الشعر والسياسة في رأي أدي ؟
أولا مقالاتي في تلك الموضوعات لم تظهر "مؤخرا"، فأنا بدأت أنشر بواكيرها في الصحف المحلية منذ 1993م، ثم تخصصت سنوات في إعداد الصفحات الثقافية لبعض تلك الصحف، وقد كرست ما بين 2002 ـ 2004 لكتابة مقال اسبوعي في صفحة الرأي بصحيفة "الوطن" القطرية، وعاودت المسار ذاته في صحيفة "الشرق" القطرية أيضا صيف 2005 م، حتى انتهيت إلى المقالات الحديثة التي يصدق عليها لفظ "مؤخرا".
أما نقطة التقاء الشعر والسياسة، فيقتضي قانون المرور عبرها أن تتحول السياسة إلى شعر، ولا يتحول الشعر إلى سياسة.
* الشعر ابن البيئة العربية من قديم الزمن، هل مازالت البيئة العربية مشجعة على بقاء الشعر أم قد وصل إليها التغير والتبدل ؟
البيئة مفهوم واسع، يستوعب مجمل مشمولات الحياة، وسيظل الشعر يتلون بألوانها الجميلة والقبيحة معا، فعندما يطغى عليها ثالوث: "الماء والخضراء والخد الحسن" يتشح الشعر بالغضارة، والنضارة، وتتفاوح أبياته بعبير الجنان الغناء، وعطر الحور الحسان، وعندما تغرق المشاهد والمناظر بدم "هابيل" المسفوك بيد "قابيل"، يتزمل الشعر بثوب الحداد، وتتظاهر القصيدة بين دثار النادبة جمال الوجود المنتهك، ودرع الثائرة ضد اختلالات الحياة السائدة، مضفية ـ في الحالة الأولى ـ جمال الفن على جمال البيئة، ومغرقة ـ في الحالة الثانية ـ قبح الحياة في جمال القصيدة؛ لأن الشاعر وظيفته التبتل في محراب الجمال، ومحاربة القبح، في كل تجلياته، ولك أن تقرأ خاتمة قصيدتي"هجائية الزمن الرديء"
سلام ٌعلى الحسْن والحُبٍّ والشِّعْر..
إنِّي لهذي الثلاثة سوْف أظلُّ:
أُغَنِّي ..أُغَنِّي..أُغَنِّي..
ولو وَأَدُوا الصَّوْتَ خَنْقًا لِأَنِّي ..
أرَى الكَوْنَ ـ دون الثلاثةِ ـ أعْمَى النَّوَايَا.
موقع الأخبار
وقال ولد آدب في مقابلة مع صحيفة "الشبيبة" العمانية إن تجربته الشعرية تتنامى ـ طرديا ـ مع تطوره الأكاديمي والفكري والثقافي، الذي يحرص على إثرائه باستمرار، مؤكدا أن الصرخة الأولى لميلاد شاعريته قد انطلقت منذ 1982، ومن يومها ظل هاجسه الشعري ومقصه النقدي في جدل مستمر، ذاك ينتج، وهذا يأخذ من أطراف نتاجه، حتى أسفر الحصاد عن الديوانين المنشورين بعد خروجه للتو من تجربة "أمير الشعراء".
وأضاف ولد آدب، إن الشاعر إذا اعترف بتوقف نموه الإبداعي عند مستوى محدد، يكون قد حكم على نفسه بالإعدام الأدبي، أو الشلل الشعري على الأقل، ولا يكون ذلك إلا إذا توقف المدد الثقافي عن نسخ تجربته الإبداعية، أو انقطع الحبل السري بين إحساسه المرهف وتفاعلات الحياة الموَّارة.
ولد الشاعر الموريتاني المبدع أدي ولد آدب سنة 1964 في مدينة "مقطع الحجار" شرقي العاصمة نواكشوط، وبعد تخرجه من الثانوية العامة عمل أستاذا للغة العربية وآدابها منذ 1991، ثم كاتبا صحفيا ومحررا في كثير من الصحف الوطنية الموريتانية منذ 1993، وتابع دراسته الجامعية، ثم سجل في السلك الثالث بالمغرب ومنه أخذ دكتورا".
اشتهر الشاعر أدي ولد آدب بكونه أحد كتاب الرأي في صحيفة الوطن القطرية 2002 - 2004.
شارك أدي ولد آدب في أغلب الندوات، والمهرجانات، والبرامج الثقافية في موريتانيا، وفي المملكة المغربية (مكان الدراسة منذ 2002) وليبيا ولبنان والإمارات، وهو أحد مؤسسي (بيت الشعر في موريتانيا) سنة 2001، كما حاز الرقم الأول في جائزة الإبداع الأدبي بجامعة محمد الخامس بالرباط 2006، والرقم الأول في مسابقة المهرجان الدولي للشعر العربي والزجل الدار البيضاء 2007، والرقم نفسه في دورة 2009، حائز على الرقم الخامس في مسابقة أمير الشعراء بأبوظبي موسم 2008؛ وللشاعر دواوين شعرية أبرزها: رحلة بين الحاء والباء، تأبط أوراقا ..
"الشبيبة" أجرت معه الحوار التالي:
* يمتنع أدي ولد آدب وهو شاعر معروف منذ عقود عن نشر ديوانه، فلماذا ؟
لقد نشرت أعمالي الشعرية الأولى منذ سنة 2009، متضمنة "رحلة بين الحاء والباء"، و"تأبط أوراقا"، وهما يمثلان جدل الشاعر والثائر، الذين هما وجهان لعملة واحدة، اسمها: أدي ولد آدب، ولعل خير معبر عن وحدة الصوتين، هو:قصيدة: "هذا أنا"، التي كتبتها أصلا لتكون توطئة شعرية للديوانين، غير أنهما صدرا من دونها.
وبالمناسبة أود أن أؤكد أنني لم أكن أمتنع عن نشرهما، بقدر ما كنت أمتنع عن استجداء النشر من أي جهة، ولذلك بادرت بتلبية أول عرض قدم لي لنشرهما عبر وزارة الثقافة الجزائرية، التي وزعت منهما محليا 1700 نسخة، ووزعت أنا النسخ القليلة التي وصلتني منهما على أصدقائي، ولهذا ـ في الحقيقة ـ كاد نشرهما يكون مساويا لعدم النشر، ونظرا لذلك، وبما أنني قد راكمت بعد 2009 عددا من النصوص الجديدة، فإنني الآن بانتظار فرصة نشر أفضل وأكمل وأوسع.
* هل يختلف أدي الشاعر بعد مسابقة أمير الشعراء عنه قبل المسابقة ؟
الشاعر إذا اعترف بتوقف نموه الإبداعي عند مستوى محدد، يكون قد حكم على نفسه بالإعدام الأدبي، أو الشلل الشعري على الأقل، ولا يكون ذلك إلا إذا توقف المدد الثقافي عن نسخ تجربته الإبداعية، أو انقطع الحبل السري بين إحساسه المرهف وتفاعلات الحياة الموَّارة، وأنا ـ في الحقيقة ـ أعتقد أن تجربتي الشعرية تتنامى ـ طرديا ـ مع تطوري الأكاديمي والفكري والثقافي، الذي أحرص على إثرائه باستمرار، فقد انطلقت الصرخة الأولى لميلاد شاعريتي منذ 1982، ومن يومها ظل هاجسي الشعري ومقصي النقدي في جدل مستمر، ذاك ينتج، وهذا يأخذ من أطراف نتاجه، حتى أسفر الحصاد عن الديوانين المنشورين بعد خروجي للتو من تجربة "أمير الشعراء".
وكلي ثقة بأني أفضل بعد هذه التجربة مني قبلها، على الرغم مما تعرضت له خلالها من تعسف التحكيم وتحامله، المرجوح ـ طبعاـ بإنصاف الجمهور، وحسن تفاعله، علما بأن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة كما يقال، وقد زاد البرنامج في شهرتي، ووسع جمهوري وطنيا، وعالميا، وكل ذلك يتطلب مني صقل موهبتي، وشحذ أدواتي، وتعميق تجربتي، وإغناء رصيدي الثقافي، احتراما للملايين التي كانت تصوت لي في كل حلقة، حتى جعلت مني "طائر فينيق" ينبعث من رماد "محرقة" التحكيم في كل مرة.
*اشتهر أدي ولد آدب بقصيدة تأبينية لسقوط طائرة ركاب، تقل عشرات الموريتانيين عام 1994، فكيف يكتب أدي الشعر في لحظات المصائب ؟
في الحقيقة لم أكن مجهولا قبل هذه القصيدة، فقد ذاعت قبلها في الأوساط الثقافية قصيدة "تأبط أوراقا"، التي تستلهم لقب الصعلوك العربي "تأبط شرا"، المشهور بثوريته على الظلم الجاهلي، ولكن قصيدة الطائرة "تضاريس مأساة" كانت أبعد صيتا، وأوسع شهرة، من دون شك، وربما كان مردّ ذلك إلى أنها غُنّيَت بصوت فنان مشهور ومحبوب، أضاف إلى طاقاتها الشعرية، وشحناتها الشعورية ـ من جمال حنجرته ـ شجنا يناسب المقام، وروح المناسبة، وجو القصيدة.
أما عن كيفية كتابتي للشعر في لحظات المصائب، فأنا ـ بكل صدق ـ أغمس قلمي في ينبوع المأساة، وأرمي بحسي في أتون لواعجها الملتهب، فيتلبس حبري بدمعي، وتتشبع أنفاسي المتنهدة، ببخور وبخار روحي المحترقة، فتنبعث القصيدة الراثية عندي من تآور هذه الشروط الإبداعية، أولا تكون.
*دخل أدي الشعر من باب الرثاء الجماعي، في هذا الزمن الذي يرفض النقاد فيه الأغراض الشعرية القديمة شيئا ما، ومن أبرزها الرثاء، كيف تفسر ذلك ؟
ـ اسمح لي أن لا أوافقك في أنني دخلت الشعر من باب الرثاء الجماعي، فأنا لم أكتب من الرثاء الجماعي سوى قصيدة الطائرة الموريتانية المحترقة بمن فيها، وعلى الرغم من قوتها التأثرية والتأثيرية الطاغية، وسمعتها الطائرة، فإنني دخلت الشعر من أبوابه الواسعة، قبل هذه القصيدة التي لا أريد لها أن تكون مثل قصيدة عمر بن كلثوم، التي ألهت بني تغلب عن كل مكرمة، حسب قول الشاعر القديم.
وفيما يخص علاقة فرضيتك بموقف النقاد اليوم من الأغراض عموما، والرثاء خصوصا، فإنني أعتبر كثيرا من مسلمات النقاد ـ حول مفاهيم: الغرض، والمناسبة، والموضوعي والذاتي ـ مغالطات لا تصمد في معترك النقاش النقدي الحصيف، فالغرض والمناسبة لا يكونان مرفوضين إلا إذا تحولا من اعتبارهما ألوانا لانفعالات النفس الإنسانية، وأوجها للتجربة الشعرية العميقة، إلى مجرد تصنيفات صنمية، تعبد لذاتها.
وهنا يكمن الفرق الدقيق ببن التجربة التي هي إبداع خصوصي منفعل، وبين التجريب الذي هو تقليد مفتعل منبوذ، مهما كان للقديم أو الجديد، وهنا ـ أيضا ـ يتضح أن الفرق الإجرائي بين الذاتي والموضوعي، لا يتحقق إلا في التجريب التقليدي البارد، بينما تتكسر الحدود الوهمية بينهما تماما، داخل التجربة الشعورية والشعرية، حيث يصبح الموضوعي ذاتيا والذاتي موضوعيا. ومن هذا المنطلق أعتبر أن الإبداع في الرثاء والغزل، وحتى المدح والهجاء.. رهين الإخلاص للتجربة شعوريا وشعريا، إحساسا وفنا.
*زِيّ الشاعر أدي ومظهره العام يذكر بأزياء الشخصيات الثقافية والأدبية العربية، في وسط القرن الماضي "الشارب الطويل، وشعر الرأس الطويل"، هل يفعل أدي ذلك عن محاكاة وقصد، ولماذا ؟
اسمح لي أيضا أن لا أوافقك حول تقاسيم الصورة التاريخية النمطية التي رُسمت لي، فهي موجودة ـ ربما ـ في مخيلتك، أكثر مما هي متحققة في زيي وفي مظهري العام، فأنا لا أملك شنبا كثا تقليديا، بصورته المملوكية القديمة، ولا بصورته الإيديولوجية القومية الحديثة، كما أني لا أملك لمة مسترسلة، كما هي موضة اليساريين، وبعض النجوم المتفلسفين، والبوهيميين، ومن أين لي بذلك، وقد "اشتعل الرأس شيبا"، ودب الصلع في أرجائه؟
زد على ذلك أني أحرص في زيي ـ التقليدي والعصري معاـ على التوازن في الألوان، والمقاسات، ولا أقصد في مظهري العام لهاثا وراء التميز الموضوي النزق، ولا التقليد الموضوعي البليد.
* للشاعر أدي قصيدة دائما ما يحكيها "يلقيها" في الصالونات الثقافية واللقاءات يقول فيها إنه "يبحث عن الإنسان في الإنسان"، ما الذي يفتقده أدي في الإنسان اليوم ؟
القصيدة المعنية، هي "نزيف مشاعري"، التي رشحتني عبر إقصائيات "أمير الشعراء"، في مرحلة ما وراء الكواليس، وقد غيبت عن المشاهدين، ربما كيدا، بينما عرض كثير من قصائد التصفيات الأولى نظيراتها، دعاية وترويجا مسبقين لأصحابها، قبل انطلاق الحلقات المباشرة من البرنامج. وأنا فيها أبحث عن الإنسان في الإنسان؛ لأني أفتقد اليوم من الإنسان جوهر إنسانيته، وأفتش عن روحانيته التي غشاها زبد الحسيات، الطاغي طوفانه، الذاهب جُفاءً.
* لـ أدي ولد آدب مقالات مؤخرا في السياسة والقضايا العربية والوطنية، أين يلتقي الشعر والسياسة في رأي أدي ؟
أولا مقالاتي في تلك الموضوعات لم تظهر "مؤخرا"، فأنا بدأت أنشر بواكيرها في الصحف المحلية منذ 1993م، ثم تخصصت سنوات في إعداد الصفحات الثقافية لبعض تلك الصحف، وقد كرست ما بين 2002 ـ 2004 لكتابة مقال اسبوعي في صفحة الرأي بصحيفة "الوطن" القطرية، وعاودت المسار ذاته في صحيفة "الشرق" القطرية أيضا صيف 2005 م، حتى انتهيت إلى المقالات الحديثة التي يصدق عليها لفظ "مؤخرا".
أما نقطة التقاء الشعر والسياسة، فيقتضي قانون المرور عبرها أن تتحول السياسة إلى شعر، ولا يتحول الشعر إلى سياسة.
* الشعر ابن البيئة العربية من قديم الزمن، هل مازالت البيئة العربية مشجعة على بقاء الشعر أم قد وصل إليها التغير والتبدل ؟
البيئة مفهوم واسع، يستوعب مجمل مشمولات الحياة، وسيظل الشعر يتلون بألوانها الجميلة والقبيحة معا، فعندما يطغى عليها ثالوث: "الماء والخضراء والخد الحسن" يتشح الشعر بالغضارة، والنضارة، وتتفاوح أبياته بعبير الجنان الغناء، وعطر الحور الحسان، وعندما تغرق المشاهد والمناظر بدم "هابيل" المسفوك بيد "قابيل"، يتزمل الشعر بثوب الحداد، وتتظاهر القصيدة بين دثار النادبة جمال الوجود المنتهك، ودرع الثائرة ضد اختلالات الحياة السائدة، مضفية ـ في الحالة الأولى ـ جمال الفن على جمال البيئة، ومغرقة ـ في الحالة الثانية ـ قبح الحياة في جمال القصيدة؛ لأن الشاعر وظيفته التبتل في محراب الجمال، ومحاربة القبح، في كل تجلياته، ولك أن تقرأ خاتمة قصيدتي"هجائية الزمن الرديء"
سلام ٌعلى الحسْن والحُبٍّ والشِّعْر..
إنِّي لهذي الثلاثة سوْف أظلُّ:
أُغَنِّي ..أُغَنِّي..أُغَنِّي..
ولو وَأَدُوا الصَّوْتَ خَنْقًا لِأَنِّي ..
أرَى الكَوْنَ ـ دون الثلاثةِ ـ أعْمَى النَّوَايَا.
موقع الأخبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق