كاتب صحفي ومدون |
في أجواء الاستحقاقات الإنتخابية الوشيكة تُهدد منسقية المعارضة بمقاطعة
المسار الإنتخابي بوصفه أجندة أحادية غير متفق عليها و تهدد كذلك
بالإستمرار في رفع شعار الرحيل كورقتي ضغط للحصول على تنازلات من الطرف
الآخر .
وفي هذا مغالطة كبيرة و تضليل جوهري يستحق التوضيح , حيث تعود هذه
المصطلحات لقاموس وأجواء ماقبل رئاسيات 2009 في زمن كانت الجبهة المعارضة
آنذاك تستخدم ورقة الشرعية كقوة ضاغطة مع المجتمع الدولي و الهيئات المحلية
التي لم تعترف بالنظام القائم آنذاك و بالتالي فإن قوة الأمر الواقع التي
مثلتها الجهات الحاكمة كانت توازيها قوة هذا الوزن العظيم و تصب في اتجاه
الحصول على تنازلات مؤلمة من جانب السلطات الجديدة مقابل الاعتراف الدولي و
المحلي بشرعية ما بعد رئاسيات 2009 و اليوم تواجه المنسقية مشكلة جوهرية
ألا وهي كيفية الحصول على ورقة ضغط لتعويض ورقة الشرعية الإنتخابية التي
يتمتع بها النظام الجمهوري الحالي . فلم نسمع أية جهة دولية - مهما كان ضعف
حجمها - تتوعد بعدم الإعتراف بالمسار الإنتخابي القادم ، الذي سيقوم
بالدعوة له رئيس شرعي منتخب لم تكتمل مؤموريته الدستورية بعدُ، و بالتالي
فالقوم في ورطة حقيقية ، خصوصا إذا علمنا أن المرشح الفائز بالمرتبة
الثانية في رئاسيات 2009 السيد مسعود ولد بلخير يُعارض شعار الرحيل جملة
وتفصيلا . يبقى أمام المنسقية خيار اللجوء إلى الشارع لتهييجه ضد السلطة
المنتخبة و محاولة إقناع السفارات الغربية بوجود أزمة سياسية طاحنة تستدعي
عدم الإعتراف بالإنتخابات مالم يحصل توافق مع جميع الأطراف , ولكن هيهات
فالشارع الذي أنهكته الدعوات العبثية المتكررة خلال العامين الماضيين من
دون جدوى ، لن يكون ورقة ضغط تُذكر يتم انتزاع التنازلات السياسية عن
طريقها , خصوصا إذا علمنا أن عودة الرئيس عزيز من مشفاه في باريس كانت ضربة
قاسية لفرضية الرهان على الشارع بعد أن صارت ساحة ابن عباس فخر المنسقية
مجرد نقطة ضئيلة في جنب ثور مقارنة بالحشود الهائلة الزاحفة من المطار إلى
القصر الرئاسي . ثم إن المقاطعة هي ظاهرة صحية في بعض الديمقراطيات العريقة
و لا تُؤدي لعدم شرعية الإستحقاقات ، خصوصا إن كان الرئيس الذي وجه الدعوة
منتخبا بطريقة شرعية ولم يقم بتمديد مؤموريته بشكل غير قانوني . فكم من
مرة قررت معارضات أوروبية مقاطعة الإستحقاقات وفاز من فاز دون أن تحدث
مشكلة في مسارها الديمقراطي . ثم إن في خطاب المنسقية ما يدعوا للاستغراب
فعلا , إذ كيف يُطالبون إلحاحاً بالشراكة في الحكومة طلبا للمساواة بين
الأطراف السياسية ، وهم يعلمون أن الرئيس ووزيره الأول من الأغلبية
الرئاسية الحالية وهما المنفذان المؤثران في الساحة السياسية حسب الدستور ,
إذ كان من الأجدر التركيز على تشكلة اللجنة المستقلة للإنتخابات لتكون
توافقية بين جميع الأطراف بدل اعتماد حكومة توافقية من المعروف أن كلمتها
النهائية حسب الصلاحيات الدستورية بيد رئيس الجمهورية . فعلى الرئيس مسعود
أن يتحمس أكثر لهذا الخيار بدل التركيز على تقاسم كعكة حكومة مؤقتة منزوعة
الصلاحيات يقودها بقوة القانون رئيس منتخب هو سبب شكاوى المنسقية منذ أشهره
الأولى في الحُكم . مع أني أستطيع أن أُراهن على تفكك المنسقية بعد المُضي
النهائي في طريق الإنتخابات إلى ثلاث معسكرات : معسكر يرفض تماما المشاركة
في الإنتخابات لتصوره أن ذلك سيضر مصداقيتها و قسم آخر يشارك بأقل
الضمانات و أبسط التنازلات و قسم ثالث يُشارك بلا قيد أو شرط حفاظا على
وجوده خشية حدوث نزيف الانسحابات من كوادره الطامحين للحركية و دخول قبة
البرلمان و كذلك للحصول على تمويل الحزب حسب قوانين المرحلة المُقبلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق