ستة وعشرون يوما والشعب الموريتاني كله انتظار وترقب وأمل...أما الانتظار فلقرار يمكن أن يصدر من حين لآخر من أطباء مستشفى " بيرسي" قد يفضي بعودة الرئيس سالما و قادرا على مزاولة مهامه السامية... و الترقب لما يقع من تطورات لو اضطر الرئيس الى البقاء بباريس(لا قدر الله ) لمدة أسابيع أخرى...و يبقى الأمل أن يمر الأمر كله بسلام لأن موريتانيا بلا رئيس أشبه ما تكون بدولة بلا عنوان...
هي اذن أيام دقيقة وحرجة تعيشها بلادنا في ظل حادثة اطلاق " النيران الصديقة " على رئيس الجمهورية و ما تلاها من غياب و تداعيات وردود أفعال وشائعات...أقلام عديدة تناولت الموضوع بالتوصيف و التشخيص, و كتاب كثيرون توسعوا في دراسته و تحليله, و مفكرون قليلون ذهبوا أبعد من ذلك و حاولوا نسج مقاربات جدية لاستشراف مآلات الوضع الراهن.
باختصار, فان الساحة الوطنية اليوم ساحة نقاش مفتوح بين مؤيد و معارض و مستقل حول الفراغ الدستوري و شغور منصب الرئيس , و حول حقيقة " رصاصات اطويلة ", والحالة الصحية للرئيس...الى آخر ذلك من نقاط الخلاف التي أشبعت حوارا و جدلا و نقاشا في الأسبوعين الماضيين. ويتواصل الخوض فيها حتى الآن باعتبار جسامة ما يترتب عليها في قابل الأيام. و لكن , يبقى الأهم هو السؤال : ما الذي ينبغي فعله الآن لانقاذ سفينة الوطن ؟ سؤال يهمنا جميعا و الجواب عليه أهم. و رغم أنني أدرك أن الاجابة عليه ليست في متناول يدي أو فكري , الا أن ذلك لم يمنعني من محاولة طرح ما يتبادر لي من آراء حيال الأزمة. لكن قبل ذلك, بودي أن أستأذن القارئ الكريم بتقديم فرضيات أعتقد بأنها قد تؤدي الى توضيح بعض جوانب المشكلة.
الفرضية الأولى : أن النظام السياسي للدول العربية و الأفريقية لمرحلة ما بعد الاستقلال وصل الى مأزق حقيقي , نسبة الى بنية الدولة و أدائها , بحيث أن المرجعيات التي كانت تضفي على النظام شرعيته السياسية والأخلاقية تآكلت و فقدت مصداقيتها. لقد ولي زمن الرئيس الملهم , و القائد الفذ , والزعيم الأوحد , و منقذ البلاد والعباد , الذي بفضله نأكل و نشرب و نستنشق الهواء , و الذي بيده الحكومة و البرلمان و الحزب والقضاء. انتهى العمر الافتراضي لذلك النوع من الأنظمة في العالمين العربي و الأفريقي.و يبقى العمر الواقعي و الحقيقي لأي نظام بذاته يتحدد حسب خصوصيات كل بلد على حدة.
الفرضية الثانية : أن النظام الموريتاني برئاسة محمد ولد عبد العزيز باق حتى الآن , الا أنه يعيش في حالة توازن صفري مع قوى المعارضة , بمعنى أن ما يملكه من قوة سياسية و من شرعية ومصداقية لم يعد كافيا لتمكينه من حكم البلاد بالطريقة التي كان يمارس بها سلطته. كما أن منسوب القوة و الشرعية ذاته ليس على درجة كافية من الضعف تسمح للمعارضة بالصعود و استلام مهمة الحكم. و هذا الوضع يذكرني بالوضع الذي حمل ميكافيللي على توجيه النقد اللاذع لسلطة البابا لأنها لم تكن قوية بالقدر الكافي لتوحيد ايطاليا...و لم تكن على درجة كافية من الضعف تسمح للآخرين بتحقيق ما فشلت هي فيه.
الفرضية الثالثة : أن ضعف النظام يتفاقم بشكل مطرد لأسباب عدة أذكر منها على سبيل المثال : تواضع مستوى الأداء, وتهالك المؤسسات الدستورية. اذا ما نظرنا الى الجمعية الوطنية وجدناها منتهية الصلاحية منذ عام و نيف , و كذا مجلس الشيوخ بثلثي أعضائه. و اذا ما نظرنا الى المجلس الدستوري وجدناه يعاني من ثغرات قانونية تعيق عمل بعض أعضائه. والدستور ذاته تم تعديله بقرار من البرلمان الذي مدد لنفسه بنفسه بعد انتهاء مأموريته... لذلك , بصراحة نحن أمام مؤسسات قائمة بشكلها... غائبة بمعناها و جوهرها. مؤسسات بها نواب و شيوخ , موالين ومعارضين , من أفضل زعمائنا , و هاهم الحمد لله على عتبة عامهم السابع من مدة انتداب أصلها خمسة أعوام , فقط لا غير !!! هذا لمن تفضل بالنظر الى نصف الكأس المليء. أما من شاغب و نظر الى النصف الفارغ فيقول بعدم " دستورية الدستور" و بالأحرى المؤسسات.
الفرضية الرايعة : أن غياب المؤسسات , و عجز النظام و المعارضة معا , في جو اقليمي محفوف بالمخاطر كالذي نعيش فيه , يفتح باب الفوضى وانهيار كافة أنواع السلطة في المجتمع بسبب التصارع على الحكم و النفوذ. و أن هذه الحالة من الفراغ و الانقسام و ضعف الثقة بين مكونات المجتمع المدني و الفاعلين السياسيين تخلق طلبا مجتمعيا وسياسيا على دخول الجيش على الخط كضمانة للتوازن بين الفرقاء السياسيين المتصارعين , و بين فئات و شرائح المجتمع , بمعنى أن حضور الجيش في الحياة السياسية – بصيغة موريتانية مبتكرة لا تعرقل أو تعوق سلامة و نزاهة اللعبة الديمقراطية – أمر لا مناص منه في حال عجز النخبة السياسية عن معالجة الوضع بحكمة و اقتدار...أدري تماما أن عهد الانقلابات العسكرية و الأحكام الاستثنائية قد انتهى , لكن حضور الجيش عندنا لن يتوارى الا تدريجيا بحقائق الديمقراطية على الأرض و نموها وطول ممارستها... و ليس بالأمنيات وحدها !
و انطلاقا من هذه الفرضيات , يمكن التأكيد على أن موريتانيا تمر بمرحلة صعبة و تقف أمام مفترق طرق خطير في ظل غياب رئيس الجمهورية , و اصابته في حادثة قيل انها غامضة البداية و النهاية ( شفاه الله و عافاه ) , و سقوط المؤسسة البرلمانية بالتقادم , والحراك الشعبي المطالب بالتغيير , و ارتباك الطبقة السياسية بكل أطيافها , و الجوار المالي و الحرب الوشيكة على الحدود و تدفق آلاف اللاجئين دون حساب. و في مواجهة هذا الوضع ,أردت أن أقتبس من وثيقة " النداء من أجل الوطن" بعنوان " معا لانقاذ سفينة الوطن " بعض الآراء و التأملات وأطرحها في ساحة النقاش مبتغيا في ذلك الاسهام ولو بقليل في صياغة تصور جماعي للخروج من الأزمة الراهنة. و حسب رأيي المتواضع ,فان الطريق الى الحل الآمن يمر بالنقاط الثلاثة التالية :
*** التهدئة والتشاور والحوار لغرض الوصول الى الوفاق و الاجماع ,
*** رئيس وزراء على رأس حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات كاملة ,
*** مسطرة قانونية وتنظيمية متفق عليها تسمح بانتخابات حرة و نزيهة.
باختصار, فان الساحة الوطنية اليوم ساحة نقاش مفتوح بين مؤيد و معارض و مستقل حول الفراغ الدستوري و شغور منصب الرئيس , و حول حقيقة " رصاصات اطويلة ", والحالة الصحية للرئيس...الى آخر ذلك من نقاط الخلاف التي أشبعت حوارا و جدلا و نقاشا في الأسبوعين الماضيين. ويتواصل الخوض فيها حتى الآن باعتبار جسامة ما يترتب عليها في قابل الأيام. و لكن , يبقى الأهم هو السؤال : ما الذي ينبغي فعله الآن لانقاذ سفينة الوطن ؟ سؤال يهمنا جميعا و الجواب عليه أهم. و رغم أنني أدرك أن الاجابة عليه ليست في متناول يدي أو فكري , الا أن ذلك لم يمنعني من محاولة طرح ما يتبادر لي من آراء حيال الأزمة. لكن قبل ذلك, بودي أن أستأذن القارئ الكريم بتقديم فرضيات أعتقد بأنها قد تؤدي الى توضيح بعض جوانب المشكلة.
الفرضية الأولى : أن النظام السياسي للدول العربية و الأفريقية لمرحلة ما بعد الاستقلال وصل الى مأزق حقيقي , نسبة الى بنية الدولة و أدائها , بحيث أن المرجعيات التي كانت تضفي على النظام شرعيته السياسية والأخلاقية تآكلت و فقدت مصداقيتها. لقد ولي زمن الرئيس الملهم , و القائد الفذ , والزعيم الأوحد , و منقذ البلاد والعباد , الذي بفضله نأكل و نشرب و نستنشق الهواء , و الذي بيده الحكومة و البرلمان و الحزب والقضاء. انتهى العمر الافتراضي لذلك النوع من الأنظمة في العالمين العربي و الأفريقي.و يبقى العمر الواقعي و الحقيقي لأي نظام بذاته يتحدد حسب خصوصيات كل بلد على حدة.
الفرضية الثانية : أن النظام الموريتاني برئاسة محمد ولد عبد العزيز باق حتى الآن , الا أنه يعيش في حالة توازن صفري مع قوى المعارضة , بمعنى أن ما يملكه من قوة سياسية و من شرعية ومصداقية لم يعد كافيا لتمكينه من حكم البلاد بالطريقة التي كان يمارس بها سلطته. كما أن منسوب القوة و الشرعية ذاته ليس على درجة كافية من الضعف تسمح للمعارضة بالصعود و استلام مهمة الحكم. و هذا الوضع يذكرني بالوضع الذي حمل ميكافيللي على توجيه النقد اللاذع لسلطة البابا لأنها لم تكن قوية بالقدر الكافي لتوحيد ايطاليا...و لم تكن على درجة كافية من الضعف تسمح للآخرين بتحقيق ما فشلت هي فيه.
الفرضية الثالثة : أن ضعف النظام يتفاقم بشكل مطرد لأسباب عدة أذكر منها على سبيل المثال : تواضع مستوى الأداء, وتهالك المؤسسات الدستورية. اذا ما نظرنا الى الجمعية الوطنية وجدناها منتهية الصلاحية منذ عام و نيف , و كذا مجلس الشيوخ بثلثي أعضائه. و اذا ما نظرنا الى المجلس الدستوري وجدناه يعاني من ثغرات قانونية تعيق عمل بعض أعضائه. والدستور ذاته تم تعديله بقرار من البرلمان الذي مدد لنفسه بنفسه بعد انتهاء مأموريته... لذلك , بصراحة نحن أمام مؤسسات قائمة بشكلها... غائبة بمعناها و جوهرها. مؤسسات بها نواب و شيوخ , موالين ومعارضين , من أفضل زعمائنا , و هاهم الحمد لله على عتبة عامهم السابع من مدة انتداب أصلها خمسة أعوام , فقط لا غير !!! هذا لمن تفضل بالنظر الى نصف الكأس المليء. أما من شاغب و نظر الى النصف الفارغ فيقول بعدم " دستورية الدستور" و بالأحرى المؤسسات.
الفرضية الرايعة : أن غياب المؤسسات , و عجز النظام و المعارضة معا , في جو اقليمي محفوف بالمخاطر كالذي نعيش فيه , يفتح باب الفوضى وانهيار كافة أنواع السلطة في المجتمع بسبب التصارع على الحكم و النفوذ. و أن هذه الحالة من الفراغ و الانقسام و ضعف الثقة بين مكونات المجتمع المدني و الفاعلين السياسيين تخلق طلبا مجتمعيا وسياسيا على دخول الجيش على الخط كضمانة للتوازن بين الفرقاء السياسيين المتصارعين , و بين فئات و شرائح المجتمع , بمعنى أن حضور الجيش في الحياة السياسية – بصيغة موريتانية مبتكرة لا تعرقل أو تعوق سلامة و نزاهة اللعبة الديمقراطية – أمر لا مناص منه في حال عجز النخبة السياسية عن معالجة الوضع بحكمة و اقتدار...أدري تماما أن عهد الانقلابات العسكرية و الأحكام الاستثنائية قد انتهى , لكن حضور الجيش عندنا لن يتوارى الا تدريجيا بحقائق الديمقراطية على الأرض و نموها وطول ممارستها... و ليس بالأمنيات وحدها !
و انطلاقا من هذه الفرضيات , يمكن التأكيد على أن موريتانيا تمر بمرحلة صعبة و تقف أمام مفترق طرق خطير في ظل غياب رئيس الجمهورية , و اصابته في حادثة قيل انها غامضة البداية و النهاية ( شفاه الله و عافاه ) , و سقوط المؤسسة البرلمانية بالتقادم , والحراك الشعبي المطالب بالتغيير , و ارتباك الطبقة السياسية بكل أطيافها , و الجوار المالي و الحرب الوشيكة على الحدود و تدفق آلاف اللاجئين دون حساب. و في مواجهة هذا الوضع ,أردت أن أقتبس من وثيقة " النداء من أجل الوطن" بعنوان " معا لانقاذ سفينة الوطن " بعض الآراء و التأملات وأطرحها في ساحة النقاش مبتغيا في ذلك الاسهام ولو بقليل في صياغة تصور جماعي للخروج من الأزمة الراهنة. و حسب رأيي المتواضع ,فان الطريق الى الحل الآمن يمر بالنقاط الثلاثة التالية :
*** التهدئة والتشاور والحوار لغرض الوصول الى الوفاق و الاجماع ,
*** رئيس وزراء على رأس حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات كاملة ,
*** مسطرة قانونية وتنظيمية متفق عليها تسمح بانتخابات حرة و نزيهة.
1- التهدئة والتشاور و الوفاق
كما قلت آنفا , فان البلد يمر بمرحلة دقيقة تنهض فيها الحاجة الى كل أبنائه و بناته , و الى احياء روح التفكير والتشاور والحوار داخل المجتمع لمجابهة تحديات الواقع السياسي المأزوم في ظل تسارع الأحداث في الداخل و الخارج و تشابك خيوطها. الوطن ينتظر منا التوافق على كيفية الخروج من الانسداد الحالي , و يجعلنا وجها لوجه أمام مسؤولياتنا ,فاما أن نتحرك نحو ما يجمعنا و يحقق لشعبنا غاياته المشتركة على الأقل في عنوانها العريض ,و اما أن نستسلم لواقع الانقسام و الانفعال الذي يقودنا دوما الى الخسارة و الفشل.
الحل اليوم ...ليس بيد فرد أو أفراد محدودين , و ليس بيد جماعة دون أخرى. و لن يأتي الا عن طريق الحوار الجاد و النقاش المسؤول . من قديم الزمان و الحكماء يقولون ان حل الأزمات ليس صناعة...لكنه خلاصة , بمعنى أن السياسيين لا يصنعون الحل, لكنهم يستخلصونه من اجمالي ما يتراءى لهم من أفكار و تحاليل و مواقف تفرزها الساحة الفكرية. و السياسيون هنا هم الأحزاب في الموالاة و المعارضة , ومنظمات المجتمع المدني ذات الوزن و المصداقية , و الاعلام , و قادة الرأي من علماء وخبراء و شخصيات اعتبارية أخرى , وقادة الجيش بالنظر الى الدور المركزي للعسكر في واقع الحكم عندنا منذ 35 سنة... هؤلاء , في العالم من حولنا , لا يأتون بالحل هكذا من عند أنفسهم , و لا يبدعونه حسب أهوائهم...لكنهم يكتشفون مفرداته في سياق التشاور و الحوار بينهم.
و من هذا المنطلق ,فان الأطراف الرئيسية الثلاثة – الموالاة و المعارضة و الجيش – مطالبة بالدخول فورا في تشاور وطني جاد , و العمل على تهدئة الأوضاع , و تهذيب اللسان , واستبدال المواجهة و المنافسة بالتعاون و الحوار , وتجنب الاحتكاكات السياسية العقيمة دون مصادرة الحراك المطلبي الشعبي , و فض الاشتباك الدستوري الحاد الذي بدأت ملامحه تطفو على المشهد العام , و خلق تيار وطني أساسي يبحث عما يجمع و يبتعد عما يفرق. هذا فيما يتعلق بالهدف و المضمون , أما فيما يتعلق بالشكل , فقد يكون على نحو طاولة مستديرة برئاسة مشتركة (موالاة-معارضة-مجتمع مدني), أو منتدى وطني للتشاور يستوعب كل ألوان الطيف ( أحزاب,مجتمع مدني,قطاع خاص,علماء,خبراء...) يكون بمثابة بنك عقول لموريتانيا , أو بشكل اتصالات و مشاورات في الكواليس بين الأطراف المؤثرة يفضي الى اعلان مشترك متفق عليه و ملزم للجميع .
و اعتبارا لما هو متداول الآن على نطاق واسع , فان موضوع تشكيل حكومة وفاق وطني – على غرار ما طرحه النداء من أجل الوطن قبل عدة شهور – هذا الموضوع سيكون على الأرجح في مقدمة أشغال أي حوار جدي يلتئم في البلد.
2- رئيس حكومة وفاق وطني بصلاحيات واسعة
و بهذا الخصوص , و على ضوء مستجدات الساحة , فان المصلحة العليا للوطن باتت تدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية , أو تشاركية ,أو حكومة " تكنقراط " تحظى بقبول و ثقة الجميع و تتمتع بصلاحيات واسعة. المهم في الأمر أن تكون حكومة وفاق و أن تنال رضا كل الأطراف و تعطي ما يكفي من تطمينات وضمانات لنزاهة و شفافية عملية تجديد المؤسسات و اعادة بناء النظام...ان تشكيل مثل هذه الحكومة و اشرافها على الفترة القادمة مطلب ملح و حكيم . و يبدأ تشكيلها باختيار رئيس للوزراء من خارج دوائر " المفسدين " – قديمهم و جديدهم - يكون قادرا على قيادة المرحلة..
3 – مسطرة قانونية و تنظيمية متفق عليها لاجراء الانتخابات
و يتعلق الأمر بمراجعة النصوص ذات الصلة بالانتخابات بغية الحصول على موافقة الأطراف التي لم تشارك في رسمها, و الابقاء على اللجنة المستقلة التي تم تنصيبها مؤخرا مع توسيعها لتضم أعضاء معينين من منسقية المعارضة. وبهذا الخصوص , ينبغي التأكيد على ضرورة أن تكون اللجنة كاملة السلطة و الاستقلالية كي تضمن رقابة فعلية و صارمة على كل مرافق العملية الانتخابية.
كما قلت آنفا , فان البلد يمر بمرحلة دقيقة تنهض فيها الحاجة الى كل أبنائه و بناته , و الى احياء روح التفكير والتشاور والحوار داخل المجتمع لمجابهة تحديات الواقع السياسي المأزوم في ظل تسارع الأحداث في الداخل و الخارج و تشابك خيوطها. الوطن ينتظر منا التوافق على كيفية الخروج من الانسداد الحالي , و يجعلنا وجها لوجه أمام مسؤولياتنا ,فاما أن نتحرك نحو ما يجمعنا و يحقق لشعبنا غاياته المشتركة على الأقل في عنوانها العريض ,و اما أن نستسلم لواقع الانقسام و الانفعال الذي يقودنا دوما الى الخسارة و الفشل.
الحل اليوم ...ليس بيد فرد أو أفراد محدودين , و ليس بيد جماعة دون أخرى. و لن يأتي الا عن طريق الحوار الجاد و النقاش المسؤول . من قديم الزمان و الحكماء يقولون ان حل الأزمات ليس صناعة...لكنه خلاصة , بمعنى أن السياسيين لا يصنعون الحل, لكنهم يستخلصونه من اجمالي ما يتراءى لهم من أفكار و تحاليل و مواقف تفرزها الساحة الفكرية. و السياسيون هنا هم الأحزاب في الموالاة و المعارضة , ومنظمات المجتمع المدني ذات الوزن و المصداقية , و الاعلام , و قادة الرأي من علماء وخبراء و شخصيات اعتبارية أخرى , وقادة الجيش بالنظر الى الدور المركزي للعسكر في واقع الحكم عندنا منذ 35 سنة... هؤلاء , في العالم من حولنا , لا يأتون بالحل هكذا من عند أنفسهم , و لا يبدعونه حسب أهوائهم...لكنهم يكتشفون مفرداته في سياق التشاور و الحوار بينهم.
و من هذا المنطلق ,فان الأطراف الرئيسية الثلاثة – الموالاة و المعارضة و الجيش – مطالبة بالدخول فورا في تشاور وطني جاد , و العمل على تهدئة الأوضاع , و تهذيب اللسان , واستبدال المواجهة و المنافسة بالتعاون و الحوار , وتجنب الاحتكاكات السياسية العقيمة دون مصادرة الحراك المطلبي الشعبي , و فض الاشتباك الدستوري الحاد الذي بدأت ملامحه تطفو على المشهد العام , و خلق تيار وطني أساسي يبحث عما يجمع و يبتعد عما يفرق. هذا فيما يتعلق بالهدف و المضمون , أما فيما يتعلق بالشكل , فقد يكون على نحو طاولة مستديرة برئاسة مشتركة (موالاة-معارضة-مجتمع مدني), أو منتدى وطني للتشاور يستوعب كل ألوان الطيف ( أحزاب,مجتمع مدني,قطاع خاص,علماء,خبراء...) يكون بمثابة بنك عقول لموريتانيا , أو بشكل اتصالات و مشاورات في الكواليس بين الأطراف المؤثرة يفضي الى اعلان مشترك متفق عليه و ملزم للجميع .
و اعتبارا لما هو متداول الآن على نطاق واسع , فان موضوع تشكيل حكومة وفاق وطني – على غرار ما طرحه النداء من أجل الوطن قبل عدة شهور – هذا الموضوع سيكون على الأرجح في مقدمة أشغال أي حوار جدي يلتئم في البلد.
2- رئيس حكومة وفاق وطني بصلاحيات واسعة
و بهذا الخصوص , و على ضوء مستجدات الساحة , فان المصلحة العليا للوطن باتت تدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية , أو تشاركية ,أو حكومة " تكنقراط " تحظى بقبول و ثقة الجميع و تتمتع بصلاحيات واسعة. المهم في الأمر أن تكون حكومة وفاق و أن تنال رضا كل الأطراف و تعطي ما يكفي من تطمينات وضمانات لنزاهة و شفافية عملية تجديد المؤسسات و اعادة بناء النظام...ان تشكيل مثل هذه الحكومة و اشرافها على الفترة القادمة مطلب ملح و حكيم . و يبدأ تشكيلها باختيار رئيس للوزراء من خارج دوائر " المفسدين " – قديمهم و جديدهم - يكون قادرا على قيادة المرحلة..
3 – مسطرة قانونية و تنظيمية متفق عليها لاجراء الانتخابات
و يتعلق الأمر بمراجعة النصوص ذات الصلة بالانتخابات بغية الحصول على موافقة الأطراف التي لم تشارك في رسمها, و الابقاء على اللجنة المستقلة التي تم تنصيبها مؤخرا مع توسيعها لتضم أعضاء معينين من منسقية المعارضة. وبهذا الخصوص , ينبغي التأكيد على ضرورة أن تكون اللجنة كاملة السلطة و الاستقلالية كي تضمن رقابة فعلية و صارمة على كل مرافق العملية الانتخابية.
***
خلاصة القول
ان التشاور هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق السياسي بالوفاق وجمع الكلمة و رص الصفوف. صحيح أن السياسة لا يعرف عنها الايثار و تعتبر ساحة ممتدة للمنافسة والصراع , الا أن أي طبقة سياسية مستنيرة تعرف أن عليها أن تبدأ في التراجع عن خصوماتها لو رأت أن الأمور في بلدها تتجه الى حافة الهاوية. اليوم , أكثر من أي وقت مضى , لا ينبغي للموالاة أن تنظر الى المعارضة بوصفها عدو يجب ابعاده , كما لا ينبغي للمعارضة أن تتعامل مع الموالاة باعتبارها شر يجب استئصاله. ليس بوسع أي من الطرفين أن ينفي الطرف الآخر دون ان ينفي ذاته , و ذلك بغض النظر عن حضور الرئيس أو غيابه . التوافق هو الحل !!! اذا ما تحقق , فلا خوف على الوطن ولا داعي للقلق عليه , لأن الوفاق من شأنه أن يسد مطلقا ما كان من نقص . و في هذا الاطار , على النظام أن يتحمل و يسعى للوفاق بمرونة و عقلانية لعله ينفض عن مؤسساته ما لحق بها من غبار التقادم المخل بالصورة و المعنى...و على المعارضة أن تسعى للوفاق بالتزام التهدئة و التشاور و بالتوفيق بين عطشها المشروع للتناوب على السلطة والعمل المتأني و اللازم لحشد شروطه...أما اذا لم يتحقق الوفاق,فان الصراع وحده لن يأتي بالحل , بل سيزيد الوضع حدة وخطورة...و عندئذ – لا قدر الله – أخشى ما أخشاه أن تنفلت الأمور و تعود البلاد الى المربع الأول...لأن الحل الديمقراطي والحضري ربما تكشف لنا الأيام بأنه يحتاج الى أحزاب سياسية أقوى من أحزابنا , و حياة مدنية أنشط من حياتنا , و شارع أكثر وعي من شارعنا , و حراك شعبي يستند الى ارادة ديمقراطية أكثر رسوخا و قوة من ارادتنا...والأهم من ذلك كله أنه يحتاج الى ثقافة و رؤية ... بعيدة المدى .
وفقنا الله جميعا لما فيه خير العباد و البلاد
محمد فال ولد بلال
8 نوفمبر 2012
وفقنا الله جميعا لما فيه خير العباد و البلاد
محمد فال ولد بلال
8 نوفمبر 2012
نقلا عن موقع الرأي المستنير
مقال رائع وجميل
ردحذف