20 يناير، 2013

ثقافة الاختلاف تنوير وتبرير/أحمدو ولد ابي

يطرح الانتشار الكبير للسب والشتم في الفيس بوك هذه الأيام عدة قضايا تستوجب تعاملا سريعا يتعاطى مع عمق الأزمة و ما تستوجبه من حلول، وبرأيي أن هذا السلوك النشاز على مجتمعنا ليس علامة صحية على تطور معرفي أو برهانا على نهضة فكرية واحتراما لحرية التعبير، بقدر ما يعكس حالة مرضية يشترك فيها الجميع، ومردُّ ذلك أنهم بمختلف مستوياتهم لا يتحلون في الأغلب بآداب الحوار التي يستوجبها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا الفيس بوك. فالاختلاف رحمة, وقد أثبتت الدراسات السيكو اجتماعية ضرورة التدافع المعرفي لأنه الوسيلة الوحيدة لتنمية القدرات العقلية والتطور الذهني لدى الفرد. ومادام هذ الاختلاف قديما قدم الإنسان لاختلاف المدارك، والتصورات، والبئات,,, مما يفرض تصور حقيقته؛ ومادام من البدهي هذا التنوع في الأفكار والمذاهب حتى ضمن المجتمع الواحد، فإنه من غير المقبول النظر إلى هذا الاختلاف على أنّه مظهر من مظاهر الضعف العلمي والهشاشة الثقافية؛ فالتقدم المعرفي، والثراء الفكري، مرتبطان بهذا التدافع والتلاقح. وللعلاقة الوثيقة بين الحوار والاختلاف، ولأهمية الأول في تحقيق الإقناع وحصول الاتفاق يبرز السؤال التالي:
كيف نضبط الحوار كي لا يتحول إلى جدال مذموم عقيم, وهل هناك من ضوابط تحصن المسألة الخلافية من عوامل التفرق؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال الضوابط التالية:
الضوابط الإجمالية:
وهي على نوعين: الأول: ويتعلق ببناء أسس الحوار، والثاني: ويستهدف سير الحوار في كل مراحله. فالنوع الأول يتمثل في ثلاث عناصر: وجود طرفين متحاورين، وتحديد المشترك في موضوع الحوار، ووجود مرجعية معيارية. فالعنصر الأول يستلزم وجود طرفين متحاورين, غير أن طرفي الحوار، لابدّ أن يتكافآ من حيث الأهلية العلمية، أو على الأقل متقاربان، حتى يكون الحوار مفيدا وله معنى، لأن جهل أحد الأطراف يجعل الحوار يتوقف في بداية الطريق. والعنصر الثاني هو: التركيز على المشترك وتحرير محل الاختلاف, فتحديد الموضوع في النقاش هو حجر الزاوية ومحور الارتكاز؛ فالذي يجمعهما هو البحث عن الحقيقة الملتبسة وتحديد الصواب من الخطأ عن طريق هذا الحوار، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق تحديد الموضوع وحصره, وتتجلى أهمية تحديد الموضوع بشكل دقيق أنها تحول دون تضييع الوقت والجهد في مسائل مُسلّم بها، فكما يقال: "أفعال العقلاء منـَّزهة عن العبث". العنصر الثالث: وجود مرجعية معيارية مشتركة؛ يتحاكم إليها المتحاوران في كل محطات الاختلاف، ويتفقان عليها. أما ضوابط سير الحوار وضبط بوصلته حتى لا ينزلق عن الجادّة فهي: الضوابط التي يمكن من خلالها بناء أجواء تربوية ومعرفية تضمن الاستمرار والقصدية للحوار بين المتحاورين، وهي:
1ـ التزام المتحاورين للأمانة العلمية في النقاش والبحث عن الصواب؛ فالتزام الأمانة في حياة الفرد والجماعة، من المبادئ المقدسة, وهنا تتجلى أهمية الرصيد الخلٌقي عند المتحاورين, وعن طريق هذا الضابط يوضع أطراف الحوار على المحك, هل سيتخلون مؤقتا عن خلفياتهم السياسية ومشاربهم الفكرية وأهوائهم الشخصية عند ظهور الحقيقة وعدم التحايل على إخفائها إذا كانت لا تتوافق ورأيَهم الذي كان يدافعون عنه. 2 ـ التمكن من أساليب الاستدلال: وهو ضابط يتماشى مع الهدف من الحوار.
3 ـ إنصاف المخالف واحترامه.
الضوابط التنظيمية:
وهي الإجراءلت التي تعنى بتنظّيم العلاقة التحاورية بين الأطراف في جميع مراحل النقاش، ويمكن تقسيمها إلى: ضوابط الحجج والبراهين في عملية الإقناع، وضوابط الأخذ والرد من خلال الأسئلة والردود، وضوابط القدح في الحجة لا في صاحبها كما هو حال الحوارات أو على الأصح الملاسنات هذه الأيام من طرف شبابنا المثقف!. وأول هذه الضوابط ينصب حول مناظرة الآخر، وصيانته من التناقض والتذبذب، باستعمال المنهج المتبع في العملية الاستدلالية
الثاني: ويتعلق باستمرارية الحوار العلمي ويتمثل في معرفة موقف المخالف والمستندات التي يستند إليها. أما الثالث فيتمثل في محطات ثلاثة تتدرج من المطالبة مرورابالاعتراض، ووصولا إلى المعارضة التي تعتبر آخر محطة فكرية من محطات تدبير الاختلاف. ومما سبق يمكن التأكيد على أنَّ قضية الاختلاف مع الآخر يمكن تدبيرها بإحكام وفق أصول وقواعد، ينبغي أن تُعزَّز بجهود علمية وعملية متواصلة، عبر مناقشاتنا بكل احترام وأدب بحثاً عن أفضل الصيغ التنـزيلية؛ لإدارة الاختلاف مع الآخر الملائمة للسياق، وذلك بنقل العلاقة بين أطراف الخلاف من علاقة صراع وتباين إلى علاقة حوار وتعاون. وبذلك ينتهي الحوار بنجاح وتحقيق للأهداف, دون ألم وتكريس للفرقة والتكفير والتراشق بالاتهام، تحت عنوان الحوار فذاك لعمري مدعاة إلى الخجل والسباب لا إلى الفخر والإعجاب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق